وفيها توفي الشيخ الكبير الولي الشهير العارف بالله الخبير أبو الحسن علي بن حميد الصعيدي المعروف بابن الصباغ صاحب أحوال سنية ومقامات علية وأنفاس صادقة، وكرامات خارقة، وفضائل جليلة، ومواهب جزيلة صحب الشيخ الكبير عبد الرحيم القناوي، وتخرج به، وكان والده صباغًا، وكان يريد أن يكون ولده صباغًا مثله، ولا يرى بما هو عليه من الاشتغال بسلوك طريق الصوفية، حتى كان بعض الأيام، فاشتد غضبه عليه وخاصمه كما اقتضى الوقت، وهو مشتغل عن الصباغ والثياب على حالها لم يصبغها، وعنده أزيار متعددة فيها أصباغ مختلفة الألوان يصبغ كل ثوب في زير منها على حسب ما يطلب صاحبه من ألوان الصبغ، فأخذوا أبو الحسن مجموع الثياب، وطرحها في زيرواحد فصاح والده، وإنغاظ عليه غيظًا شديدًا، وقال: أتلفت ثياب الناس، فأدخل أبو الحسن يده في الزير، وأخرجها جميعها، وكل واحد منها مصبوغ باللون الذي أراد صاحبه، فعند ذلك اندهش عقل والده وهاله ما رأى من تلك الكرامة التي ظهرت عليه، وسلم له حاله، واعتقد ما هو مائل إليه من السلوك لطريق الصوفية، وخلاه من تلك الصنعة بالكلية، ولما انتهى حاله وصار من أجلاء المرادين التمس منه الصحبة خلايق من المريدين، وكان لا يصحب إلا من يراه مكتوباً في اللوح المحفوظ من أصحابه، فجاءه إنسان يطلب منه الصحبة وخدمة الفقراء في بعض الوظائف، فأطرق الشيخ ساعة ثم رفع رأسه، وقال: ما بقي عندنا وظيفة، فقال: يا سيدي لا بد أن تفكر لي في خدمة، فقال: ما عندنا خدمة إلا إن كنت تذهب وتأتي كل يوم بحزمة من الحلفاء، قال: نعم يا سيدي فصار كل يوم يأخذ المحش ويأتي بحزمة منها، فلما كان بعد مدة أوجعته يده فرمى بالمحش وترك الفقراء وذهب، فبينا هو في بعض الطريق رأى في منامه كأن القيامة قامت والناس يجوزون على الصراط فمنهم الناجي، ومنهم الواقع في النار نسأل الله السلامة، فلم يقدر يجوز، وبقي في خطر عظيم يكاد يقع فيها، فطلب شيئًا يستمسك، فلم يجد وبقي متحيرًا مشرفًا على الهلاك، وإذا حزمة من حزم الحلفاء تحته في النار مارة عليها، فرمى بنفسه فوقها، حتى أخرجته منها ناجيًا بلطف الله تعالى، فاستيقظ مرعوبًا من هول ما رأى، فرجع إلى الشيخ، فلما وقع بصر الشيخ