وفيها توفي أبو الحسين هبة الله بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر الفقيه الشافعي، قرأ القراءات وسمع الحديث وتفقه ودرس بالغزالية، وأفتى واعتنى بفنون العلم، وكان ورعاً خيراً كبير القدر، عرضت عليه خطابة البلد فامتنع. وفيها توفي الشيخ الكبير الولي الشهير ألفارف بالله الخبير ذو المقامات الطية والأحوال السنية والأنفاس الصادقة والكرامات ألفارقة والتصانيف المفيدة الوثيقة في الشريعة والحقيقة أبو النجيب عبد ألفاهر بن عبد الله السهروردي القرشي البكري، نسبة إلى أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - بينه وبينه اثنا عشر أباً، كان من أعيان المحققين وأعلام العلماء الشاملين وصفوة العارفين، وهو أحد من درس بالنظامية وتصدر للفتوى، وجمع ووضع التصانيف، وكان يلقب مفتي العراقين وقدوة الفريقين انعقد عليه إجماع المشايخ والعلماء بالاحترام، وأوقع الله له في الصدور القبول الشام، وكان يشرح أحوال القوم، ويتطيلس ويلبس لماس العلماء، ويركب البغلة ويرفع بين يديه - ألفاشية على ما نقله بعض العلماء في تصنيفه. ومن كراماته ما روى بعض أصحابه، وهو الشيخ أبو محمد عبد الله بن مسعود المعروف بإلىومي قال: مررت مرة مع شيخنا أبي النجيب بسوق السلطان ببغداد، فنظر إلى شاة مسلوخة معلقة عند جزار، فوقف عنده وقال له: إن هذه ألفاة تقول لي أنها ميتة، فغشي على الجزار، فتاب على يدي الشيخ المذكور، وأقر بصحة قوله. وله كرامات أخرى، وكلام نفيس ومحاسن جليلة لا نطول بذكر ذلك. وفيها قتل ظلماً القاضي المهذب أبو محمد الحسن ابن القاضي الرشيد الغساني الأسواني، وكان أوحد عصره في العلوم الشرعيات والهندسية والرياضيات والآداب والشعريات. ومن شعره ما تقدم من قوله في سنة إحدى وستين:
غيري يغيره عن حسن شيمته ... صرف الزمان وما يأتي من الغير
إلى آخر الأبيات
[سنة أربع وستين وخمس مائة]
فيها سار أسد الدين مسيره الثالث إلى مصر، وكانت الفرنج قد ملكت تنيس