أنزه في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال محرما
فضحك الوزير وقال: لقد جمعتم ظرفا ولطفاً وفهماً وعلماً. انتهى.
قلت: فإن اعترض معتوض وقال: لا يلزم ابن داود ما ادعاه ابن شريح في قول ابن داود: " أنزه في روض المحاسن مقلتي " البيت، لأن الروض الحقيقي لا يلزم بالنظر إليه ارتكاب محرم. قلت: القرينة دالة من لفظه، على أنه لم يرد بالروض حقيقته، وإنما أراد الإستعارة المجازية. والشاهد عليه قوله في عجز البيت:" وأمنع نفسي أن تنال محرما "، وهو مفهوم أيضاً من صدر البيت، أعني قوله: روض المحاسن، فأضاف الروض إلى المحاسن.
وكان ابن داود المذكور عالماً في الفقه، وله تصانيف عديدة منها:" كتاب الوصول إلى المعرفة الأصول "، و " كتاب الإنذار "، و " كتاب الأعذار "، و " كتاب الإنتصار " على محمد بن جرير، وعبد الله بن سرسير، وعيسى بن إبراهيم الضرير وغير ذلك.
توفي رحمه الله يوم الإثنين تاسع شهر رمضان من السنة المذكورة، وعمره إثنان وأربعون سنة. وفي يوم وفاته توفي القاضي يوسف بن يعقوب الأزدي.
قلت: ونقل ابن خلكان عنه حكاية لا تصح، فإنه قال: ويحكى أنه لما بلغته وفاة ابن شريح، كان يكتب شيئاً، فألقى الكراسة من يده وقال: ما كنت أحث نفسي وأجهزها على الإشتغال لمناظرته ومقاومته. فإن ظاهر هذا اللفظ أن ابن داود هو الذي بلغته وفاة ابن شريح، فقال هذا القول، وهذا لا يصح لأن ابن شريح مات بعده في سنة ست وثلاثمائة، اللهم إلا أن يكون أسقط الكاتب من اللفظ شيئاً، أعني: قال: بلغت وفاته، بإثبات التاء قبل الهاء، فأسقطها الكاتب. ومع هذا فهو بعيد أيضاً لكونه يقتضي أن الإمام المنتجب الملقب بالباز الأشهب أبا العباس بن شريح، ما كان يصنف إلا لمناظرة ابن داود الظاهري. نعم يحكى عنه أنه لما مات تأسف كيف تأكل الأرض مثله. والله أعلم بذلك.
وفي السنة المذكورة توفي الحافظ ابن الحافظ محمد بن عثمان بن أبي شيبة.
وفيها توفي القاضي يوسف بن يعقوب كما تقدم.
[ثمان وتسعين ومائتين]
فيها توفي السيد الجليل الشيخ العارف محمد بن مسروق الطوسي، أستاذ الجنيد.
وفيها توفي أستاذ الطريقة، وحامل لواء الحقيقة، سيد الطائفة، تاج العارفين،