الأديب. كان ماهراً في فنون عديدة خصوصاً علم الحساب فإنه كان متقناً له، وله فيه تآليف نافعة، وكان عارفاً بالفرائض والنحو، وله أشعار. وكان ذا مال وثروة وإنفاق على أهل العلم والحديث، ولم يكتسب بعلمه مالاً، وصنف في العلوم، وأربى على أقرانه في الفنون، ودرس في سبعة عشر فناً، وكان قد تفقه على الأستاذ أبي إسحاق الاسفرائيني، وجلس بعده للإملاء في مكانه سنين، واختلف الأئمة إليه، فقرؤوا العلوم عليه، مثل الأستاذ زين الإسلام القشيري، والإمام ناصر المروزي، وغيرهما.
[سنة ثلاثين واربع مائة]
فيها توفي الإمام الحافظ الشيخ العارف أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني الصوفي، صاحب كتاب حلية الأولياء، كان من أعلام المحدثين وأكابر الحفاظ المفيدين، أخذ عن الأفاضل، وأخذوا عنه، وانتفعوا به. وكتابه الحلية من أحسن الكتب. قلت: أما طعن ابن الجوزي فيها وتنقصه لها فهو عن باب قولي.
لئن ذمها جاراتها وضرائر ... وعين جمالاً في حلاها وفي الحلي
فما سلمت حسناء من ذم حاسد ... وصاحب حق من عداوة مبطل
مع أبيات أخرى في مدح الإمام أبي حامد الغزالي وتصانيفه وكلامه الغالي، وله كتاب تاريخ أصفهان تفرد في الدنيا بعلو الإسناد مع الحفظ. روى عن المشايخ بالعراق والحجاز والخراسان، وصنف التصانيف المشهورة في الأقطار. وفيها توفي أبو منصور الثعالبي عبد الملك بن محمد النيسابوري الأديب اللبيب الشاعر، صاحب التصانيف الأدبية السائرة في الدنيا، وراعي بلاغات العلم، وجامع أشتات النظم. سار ذكره سير المثل، وضربت إليه آباط الإبل، وطلعت دواوينه في المشارق والمغارب طلوع النجم في الغياهب. ومن نظمه:
لك في المفاخر معجزات جمة ... أبداً لغيرك في الورى لم تجمع
بحران يجري في بلاغة شأنه ... شعر الوليد وحسن لفظ الأصمع
كالنور أو كالسحر أو كالبدر أو ... كالوشي في برد عليه موسع
وإذا تفتق نور شعرك ناظراً ... فالحسن بين مرصع ومصرع
نقشت في فص الزمان بدائعاً ... تزرى بآثار الربيع الممرع