فصيحاً، فاستصحبه إلى بغداد، فأولد بها أولاداً. وكان له ولد سمي إبراهيم، بلغ رتبة أبيه في الفضل، وكان من حذاق الأطباء، ومقتدى أهل زمانه في صناعة الطب، وعالج مرة للسري الشاعر، فأصاب العافية، فعمل فيه أبياتاً، وهي أحسن ما قيل في طبيب:
هل للعليل سوى ابن قرة شافي ... بعد الإله، وهل له من كافي
أحيى لنا رسم الفلاسفة الذي ... أؤدى، وأوضح رسم طب عافي
مثلت له قارورتي فرأى بها ... ما اكتن بين جوانحي وشغافي
يبدو له الداء الخفي كما بدا ... للعين بصراً من غدير الضافي
قلت: وقد ذكرت في أبيات بيتاً طغى فيه، حيث قال: وبئس ما قال.
فكأنه عيسى ابن مريم ناطقاً ... يهب الحياة بأيسر الأوصاف
ومن حفدة ثابت المذكور: ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة، وكان ببغداد في أيام معز الدولة ابن بابويه. وكان طبيباً عالماً نبيلاً يقرأ عليه كتب أبقراط وجالينوس، وكان فكاكاً للمعاني، سلك مسلك جده في نظرة الطب والهندسة، وجميع الصناعات الرياضية للقدماء، وما تشتمل عليه الفلسفة. وله تصنيف في التاريخ أحسن فيه. وقد قيل إن الأبيات المذكورة أولاً من نظم الزنجي السري، عملها فيه والله سبحانه وتعالى أعلم. والحراني نسبة إلى حران، وهي مدينة مشهورة بالجزيرة. وذكر ابن جرير الطبري في تاريخه أن هاران عم إبراهيم الخليل صلى الله عليه وآله وسلم عمرها، فسميت بإسمه، ثم إنها عربت فقيل: حران. وهاران المذكور أبو سارة زوجة إبراهيم عليه السلام. وكان لإبراهيم أخ يسمى هاران أيضاً، وهو أبو لوط صلوات الله على نبينا وعليه، وعلى جميع النبيين. قال في الصحاح: حران اسم بلد، وهو فعال، ويجوز أن يكون فعلان، فالنسبة إليه حرناني، على غير قياس، والقياس حراني على ما عليه العامة.
[تسع وثمانين ومائتين]
فيها توفي المعتضد أبو العباس أحمد بن الموفق، وولي عهد المسلمين أبو أحمد طلحة بن المتوكل، جعفر بن المعتصم العباسي تغير مزاجه من إفراط الجماع، وعدم الحمية في مرضه.
قلت: وقد ذكرت في آخر المجلد الثاني من كتاب المرهم شيئاً مما جرى له في مرضه