وفيها توفي بمكة بدر الدين السنجاري الشافعي قاضي القضاة أبو المحاسن يوسف بن الحسن الزرادي، كان صدراً معظما جواداً ممدحاً، ولي قضاء بعلبك وغيرها، ثم ولاه الملك الصالح عجم الدين أيوب مصر، والوجه القبلي، ثم ولي قضاء القضاة بعد شرف الدين ابن عين الدولة، وباشر الوزارة، وكان له من الخيل والمماليك ما ليس لوزير مثله، ولم يزل في الارتفاع إلى أوائل الدولة الظاهرية، فعزل ولزم بيته.
؟
[سنة أربع وستين وست مائة]
فيها توفي عز الدين الملك الظاهر، ورتب جيوشه بالسواحل، فأغاروا على بلاد عكا، وصور، وطرابلس، وحصن الأكراد، ثم نزلوا على صفد، فأخذت في أربعين يوماً خديعة، ثم ضربت رقاب مائتين عن فرسانهم، وقد استشهد عليها خلق كثير، وفيها استباح المسلمون داره، وسبي منها ألف نفس، وجعلت كنيستها جامعاً.
وفيها توفي الإمام جمال الدين أحمد بن عبد الله بن شعيب اليمني الصقلي ثم الدمشقي المقرئ الأديب وأيد غدي العزيزي الأمير الكبير جمال الدين. كان جليل القدر شجاعاً مقداماً عاقلاً محتشماً كثير الصدقات، حسن الديانة من جلة الأمراء ومتميزيهم حبسه المعز مدة، ثم أخرجه يوم عين جالوت، وكان الملك الظاهر يحترمه، ويتأدب معه. جهزه في هذه السنة، فأغار على بلادسيس، ثم خرج على صفد، فمرض وتوفي ليلة عرفة بدمشق. وفيها توفي الشيخ أحمد بن سالم المصري النحوي نزيل دمشق، كان فقيراً زاهداً مترحلاً محققاً للعربية.
وفيها توفي ابن صصري بهاء الدين الحسن بن سالم الثعلبي الدمشقي وأخوه شرف الدين عبد الرحمن بن سالم. أولى مناصبهم الكبار، ونظر الديوان وهولاو ابن قاان المغل مقدم التتار، وقائد الكفار إلى عذاب النار الذي أباد البلاد والعباد. بعثه ابن عمه القاان الكبير على جيش المغل، فطوى الممالك، وأخذ حصون الإسماعيلية وأذربيجان والروم والعراق والجزيرة، والشام، وكان ذا سطوة ومهابة، وعقل وغور وحزم ودهاء وخبرة بالحروب، وشجاعة ظاهرة، وكرم مفرط، ومحبة لعلوم الأوائل من غير فهمه لها، وكان يصرع في اليوم مرة ومرتين منذ قتل الشهيد الملك الكامل محمد بن غازي، ومات على كفره في السنة المذكورة، وقيل: في التي قبلها، وخلف تسعة عشر ابناً تملك عليهم ابنه أبغا، وكان القاان قد استناب بهولاو على خراسان ما يفتتحه