ثم وقع صاحب مقدمته سنقر الأشقر على ثلاثة آلاف من التتار، فهزمهم وأسر منهم، وأشرف الجيش من الجبال، فإذا بالتتار قد بعثوا أحد عشر طلباً والطلب ألف فارس، فلما التقى الجمعان حملت ميسرتهم، فصادموا صناجق السلطان يعني راياته، وعطفوا على ميمنة السلطان، فرد فيها بنفسه، وحمل بها حملة صادقة، فترحلت التتار، وقاتلوا أشد قتال، فأخذتهم السيوف، وأحاطت بهم العساكر المحمدية، حتى قتل أكثرهم، وقتل من أمراء المسلمين جماعة، ثم سار الملك الظاهر يحرق مملكة الروم، ونزل إليه ولاة القلاع، وقدم سنقر الأشقر لتطمئن الرعية، ثم وصل قيصرية الروم، فتلقاه أعيانها وترحلوا، ودخلها وجلس على سرير ملكها، وصلى الجمعة بجامعها، ثم بلغه أن أعداء الله عازمون على طلبه، فرحل عنها، فجرى بعده بالروم خبطة ومحنة عظيمة، فقصدهم أبغا فقال: أنتم باغون علينا، ووضع السيف فيهم، ولم يقبل لهم عذراً، فيقال: إنه قتل من الروم ما يزيد على مائتي ألف فهم مسلمون فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وفيها توفي الشيخ أبو المعالي أحمد بن عبد السلام المعروف بابن أبي عصرون التميمي الشافعي صاحب تونس محمد بن يحيى بن عبد الواحد، وكان ملكاً صاحب سياسة، وعلو همة، شديد البأس، جواداً ممدوحاً تزف إليه كل ليلة جارية. تملك تونس بعد أبيه، ثم قتل عميه وجماعة من الخوارج عليه فتمهد له الملك.
[سنة ست وسبعين وست مائة]
في أولها قدم السلطان الملك الظاهر، فنزل نحو سفة الأبلق، ثم مرض يوم نصف المحرم، وتوفي بعد ثلاثة عشر يوماً، فأخفي موته، وسار ابنه وهو يوهم أن السلطان مريض إلى أن دخل مصر بالجيش، فأظهر موته، وعمل العزاء، وحلفت الأمراء للملك السعيد، والملك الظاهر هو ركن الدين أبو الفتوح شوس التركي الصالحي النجمي صاحب مصر والشام اشتراه الأمير علاء الدين الصالحي، فقبض الملك الصالح على علاء الدين المذكور، وأخذه، وكان من جملة مماليكه، ثم طلع شجاعاً فارساً إلى أن بهر أمره وبعد صيته، وشهد وقعة المنصورة بدمياط، ثم صار أميراً في الدولة المعزية، وتقلبت به الأحوال إلى أن ولي السلطنة في سابع عشر في القعدة سنة ثمان وخمسين وست مائة، وكان ملكاً سرياً غازياً مجاهداً مؤيداً عظيم الهيبة خليقاً للملك، يضرب بشجاعته المثل له أيام بيض في الإسلام، وفتوحات مشهورة، ومواقف مشهورة، ولولا ظلمه وجبروته في بعض الأحيان لعد من الملوك العادلين، والسلاطين الممدوحين بحسن السيرة المشكورين. انتقل إلى عفو