أرباب الأرصاد المتقدمون قد فعلوه، لكنه لم ينقل أن أحداً من أهل هذه الملة تصدى له وفعله الأهم، وهو ما سيأتي ذكره في ترجمة الصولي في سنة خمس وثلاثين وثلاث مائة، وهو إيضاح مساحة كرة الأرض أربعة وعشرين ألف ميل استخراجاً من ارتفاع القطب، وكون كل درجة من درج الفلك يقابلها من سطح الأرض ستة وستون ميلاً وثلثا ميل بالعمل، ومشيهم في الأرض المستوية في جهة الشمال، كما سيأتي واضحاً في السنة المذكورة إن شاء الله تعالى.
[ستين ومائتين]
فيها صال يعقوب بن الليث، وجال، وهزم الشجعان والأبطال، وترك الناس بأسوأ حال. ثم قصدا الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان، فالتقوا فانهزم العلوي، وتبعه يعقوب في تلك الجبال، فنزل على أصحاب يعقوب بلاء سماوي نزل عليهم ثلج عظيم أهلكهم، مات فيه أربعون ألفاً، فذهب عامة خيله وأمواله.
وفيها توفي الإمام أبو علي الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني الفقيه الحافظ صاحب الإمام الشافعي. روى عن ابن عيينة، وطبقته مثل وكيع بن الجراح ويزيد بن هارون، وروى عنه البخاري في صحيحه وأبو داود السجستاني والترمذي وغيرهم. والزعفراني بفتح الزاي وسكون العين المهملة وفتح الفاء والراء نسبة إلى الزعفرانة وهي قرية بقرب بغداد. ودرب الزعفراني في بغداد منسوب إلى الإمام المذكور، قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء: وفيه مسجد الشافعي، وهو المسجد الذي كنت أدرس فيه، ولله الحمد والمنة، يعني في درب الزعفراني، وكان الزعفراني: يتولى كتب الشافعي، وهو أحد رواة أقواله القديمة. ورواتها أربعة هو والإمام أحمد بن حنبل وأبو ثور والكرابيسي ورواة أقواله الجديدة ستة، المزني والبويطي وحرملة ويونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان الجيزي، والربيع بن سليمان المرادي، وكان الزعفراني من أذكياء العلماء، وبرع في الفقه والحديث، وصنف فيها كتباً، ولزم الإمام الشافعي حتى بحر وسار ذكره في الآفاق.
وفيها توفي الشريف العسكري أبو محمد الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا بن جعفر الصادق، أحد الأئمة الإثني عشر على اعتقاد الإمامية، وهو والد المنتظر عندهم صاحب السرداب، ويعرف بالعسكري، وأبوه أيضاً يعرف بهذه النسبة. توفي في يوم الجمعة سادس ربيع الأول، وقيل ثامنه. وقيل غير ذلك من السنة المذكورة، ودفن بجنب قبر أبيه بسر من رأى، وقد تقدم ذكر سبب هذه النسبة.
وفيها توفي حنين بن إسحاق العبادي الطبيب المشهور، كان إمام وقته في صناعة