وفيها مات بدمشق قاضي القضاة شيخ الشيوخ علاء الدين علي بن إسماعيل بن يوسف التبريزي المعروف بالقونوي الفقيه الشافعي الأصولي الإمام العلامة، سمع من جماعة كثيرة، واشتغل بالعلوم في بلده على جماعة، وحفظ وفهم، ثم قدم دمشق في سنة ثلاث وتسعين وست مائة، وأخذ في الاشتغال والتحصيل أيضاً على الشيخ نجم الدين مكي والشيخ شمس الدين الآبجي، وتصدر للاشتغال بجامعها، وولي تدريس الإقبالية، ثم قدم القاهرة، وولي بها المدرسة الشريفية، ومشيخة الشيوخ بالخلفاء المعروف بسعيد السعداء، ومشيخة الميعاد بجامع ابن طولون، وتصدر للفتوى والاشتغال ونفع الطلبة، واشتهر صيته وعلا ذكره، وارتفع محله لفضيلته وعلومه وديانته ورياسته وكثرة تلامذته، وانتفع به خلق كثير، وتخرج به أئمة.
ثم إن الملك الناصر اختاره لقضاء القضاة بالديار الشامية فطلبه عنده وعرض عليه الولاية، فامتنع من ذلك فكرر عليه القول، والآن معه الحديث، وتلطف به حتى قبل الولاية وأضاف إليه مع قضاء القضاة مشيخة الشيوخ أيضاً، فتوجه إلى دمشق متولياً ذلك مع تدريس المدرسة العادلية والغزالية، فنظر في ذلك، وأحسن النظر، وتصدى للاشتغال بالعلوم من القيام بوظائفه، وكان للطلبة به نفع، وأقام بدمشق سنين مضبوط الأمر، محفوظ الباب، نزهاً عفيفاً، إلى أن أدركه الأجل بها عن بضع وسبعين سنة لأن مولده سنة ثمان وستين وست مائة، وله من المصنفات شرح الحاوي الصغير في الفقه في أربع مجلدات، ومختصر منهاج الحليمي، وكتاب شرح التعرف لمذهب التصوف وله شيء في الأصول، وحواشي، ونكت، وتعاليق رحمه الله تعالى.
قلت: ولم أر في شروح الحاوي أحسن من شرحه جامعاً بين الاقتصاد والتحقيق، وحسن المباحث والقواعد، مشعراً بالتحلي بحليتي العلم والتدقيق.
[سنة ثلاثين وسبع مائة]
فيها قدم على قضاء دمشق علم الدين الأخنائي، فاستناب مدرس الشامية ابن المرحل، وفيها نقل من طرابلس إلى قضاء حلب الشيخ شمس الدين ابن النقيب رحمه الله.
وفيها مات مسند الدنيا المعمر شهاب الدين أحمد بن أبي طالب بن نعمة الصالحي الحجازي المعروف بابن شحنة، وحدث يوم موته، وله مائة وبضع سنين، سمع ابن الزبيدي، وابن اللتي، وأجاز له ابن روزبه والقطيعي وعدة، ونزل الناس بموته درجة.