وفيه يقول أبو نواس لما عتب عليه بعض أصحابه، وقال له: ما رأيت أوقح منك، ما تركت خمراً ولا معنى إلا قلت فيه شيئاً، هذا علي بن موسى الرضا في عصرك، ما قلت فيه شيئاً، فقال: والله ما تركت ذلك إلا إعظاماً له، وليس قدر مثلي يستحسن أن يقول في مثله، ثم أنشد بعد ساعة:
قيل لي أنت أحسين الناس طراً ... قي فنون من المقال النبيه
لك من جيد القريض مديح ... يثمر الدر في يدي مجتنيه
فعلى ما تركت مدح ابن موسى ... والخصال التي ذهبت هي فيه
قلت لا أستطيع مدح إمام ... كان جبريل خادماً لأبيه
قلت: وفي هذه الأبيات لفظان أصلحتهما، لاختلال وزنهما من جهة الكاتب. وقال فيه أيضاً أبو نواس:
مطهرون بقبات حياتهم ... تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
من لم يكن علوياً حين تنسبه ... فما له في قديم الدهر مفتخر
الله لما برا خلقاً فأتقنه ... صفاكم واصطفاكم أيها البشر
فأنتم الملأ الأعلى وعندكم ... علم الكتاب وما جاءت به السور
وقال المأمون يوماً لعلي بن موسى المذكور: ما يقول بنو أبيك في جدنا العباس بن عبد المطلب؟ فقال: ما يقولون؟ رجل فرض الله طاعة بنيه على خلقه فأمر له بألف ألف درهم.
وكان قد خرج أخوه زيد بن موسى بالبصرة على المأمون، وفتك بأهلها، فأرسل إليه المأمون أخاه علياً المذكور، يرده عن ذلك، فجاءه وقال له: ويلك يا زيد، فعلت بالمسلمين بالبصرة ما فعلت وتزعم أنك ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والله، لأشد الناس عليك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يا زيد، ينبغي لمن أخذ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن يعطي به، فبلغ كلامه المأمون، فبكى وقال: فكذا ينبغي أن يكون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قيل: هذا الكلام مأخوذ من كلام زين العابدين، فقد قيل: إنه كان إذا سافر كتم نسبه، فقيل له في ذلك فقال: أنا أكره أن آخذ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لا أعطي به.
[أربع ومائتين]
فيها توفي إمام الأنام، وحيد الدهر وفقيه العصر أبو عبد الله محمد بن إدريس بن