سنين، ثم رخص لهم في الردة كونهم مكرهين، وقال: تنزه مساجدنا عمن لا نية له في الإسلام.
وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمداني الأديب العلامة بديع الزمان، صاحب المقامات الفائقة التي هي بالاختراع سابقة، وعلى منوالها نسج الحريري مقاماته، واحتذى حذوه واقتفى أثره، واعترف في خطبته بفضله، وأنه الذي أرشده إلى سلوك ذلك المنهج، وإلى ذلك أشار بقوله:
فلو قبل مبكاها بكيت صبابة ... بسعدى شفيت النفس قبل التندم
ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا ... بكاها، فقلت الفضل للمتقدم
والبديع المذكور أحد الفضلاء الفصحاء، وله رسائل بديعة ونظم مليح، سكن هراة من بلاد خراسان. فمن رسائله الماء إذا طال مكثه ظهر خبثه، وإذا سكن متنه تحرك نتنه. فكذلك الضيف، يسمح لقاؤه إذا طال ثواؤه، ويثقل ظله إذا انتهى محله والسلام.
ومن رسائله أيضاً: حضرته التي هي كعبة المحتاج، لا كعبة الحجاج، ومشعر الكرام لا مشعر الحرام، ومنى الضيف لا منى الخيف، وقنبلة الصلاة لا قبلة الصلاة وله من تعزية الموت خطب قد عظم حتى هان، ومس خشن حتى لان، والدنيا قد تنكرت حتى صار الموت أخف خطوبها، وجنت حتى صار أصغر ذنوبها، فانظر يمنة، هل ترى إلا محنة، ثم انظر يسرة هل ترى إلا حسرة؟! ومن شعره من جملة قصيدة طويلة:
وكاد يحكيك صوب الغيث منسكباً ... لو كان طلق المحيا يمطر الذهبا
والدهر لو لم يحن والشمس لو نطقت ... والليث لو لم يصد والبحر لو عذبا
وله كل معنى مليح حسن من نظم ونثر توفي رحمة الله مسموماً بهراة.
وقال بعضهم: سمعت الثقات يحكون أنه مات من السكتة، وعجل دفنه، فأفاق في قبره، وسمع صوته بالليل، ونبش عنه، فوجد قد قبض على لحيته، ومات من هول القبر والله أعلم.
[تسع وتسعين وثلاثمائة]
فيها رجع الركب العراقي خوفاً من ابن الجراح الطائي، فدخلوا بغداد قبل العيد.
وأما ركب البصرة فأجازه بنو زغب الهلاليون. وقال ابن الجوزي: أخذوا للركب ما قيمته ألف ألف دينار.
وفيها توفي أحمد بن محمد الدارمي الشاعر المشهور، كان من فحول شعراء عصره