للصفار خذ هذا عوض ما لك عليه، فلما كان بعد يومين اشتكى أبو حنيفة فمرض ستة أيام ثم مات. وكان يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أمير العراقين أرده للقضاء بالكوفة أيام مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية، فأبى عليه، وضربه مائة سوط وعشرة سواط، كل يوم عشرة أسواط. وهو على الامتناع، فلما رأى ذلك خلى سبيله، وكان الإمام أحمد بن حنبل إذا ذكر ذلك بكى وترحم على أبي حنيفة، وذلك بعد إن ضرب الإمام أحمد على ترك القول بخلق القرآن، يعني البكاء والترحم. وذكر الخطيب في تاريخه أيضاً أن أبا حنيفة رضي الله عنه رأى في المنام أنه ينبش قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فبعث من سأل محمد بن سيرين، فقال ابن سيرين: صاحب هذه الرؤيا يثور علماً لم يسبقه إليه أحد. وقال الإمام الشافعي رضي الله عنه قيل لمالك هل رأيت أبا حنيفة؟ قال نعم رأيت رجلاً لو كلمك في هذه السارية أن يجعلها ذهباً لقام بحجته وروى حرملة ين يحيى عن الشافعي، قال: الناس عيال على هؤلاء الخمسة من أراد أن يتبحر في الفقه فهو عيال على أبي حنيفة، ومن أراد أن يتبحر في التفسير فهو عيال على مقاتل ين سليمان، ومن أراد أن يتبحر في النحو فهو عيال على الكسائي ومن أراد أن يتبحر في الشعر فهو عيال على زهير بن أبي سلمى، ومن أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على بن محمد بن إسحاق. وفيها توفي وقيل في التي قبلها وقل في التي بعدها أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريح القرشي مولاهم المكي، كان أحد العلماء المشهورين، ويقال إنه أول من صنف الكتب في الإسلام، قال رحمه الله: كنت مع معن بن زائدة باليمن فحضر وقت الحج، فلم يخطر لي نية، فخطر ببالي قول عمرو بن ربيعة:
بالله قولي له من غيرمعتبة ... ماذا أردت بطول المكث في اليمن
إن كنت حاولت ذنباً أونعمت بها ... فما أخذت بترك الحج من ثمن
قال فدخلت على معن فأخبرته أتي قد عزمت على الحج، فقال لي: ما يدعوك إليه؟ ولم تكن تذكره، فقلت: وذكرت بيتين لعمرو بن أبي ربيعة، وأنشدته إياهما فجهزني وانطلقت.
[سنة إحدى وخمسين ومائة]
فيها توفي شيخ البصرة وعالمها الإمام عبد الله بن عون، والإمام محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي مولاهم المدني صاحب السيرة، وكان بحراً من بحور الحلم ذكياً حافظاً طلابة للعلم اخبارياً نسابة ثبتاً في الحديث عند أكثر العلماء، وأما في المغازي والسير فلا يجهل إمامته.