إماماً في المذهب، مائلاً إلى الحجة. خطب ودرس واشتهر اسمه، وسمع جزء الأنصاري، وامتنع من الرواية، وكان يوهن بعض المسائل لضعف دليلها، ويلقي دروساً مفيدة متقنة يدهش من يسمعها ويزجر من يعارضه، وكان متصوفاً متديناًً، مليح البزة، حسن الشكل، لا يخضع لقاضٍ ولا أمير، ولا تأهل قط. درس بالمنصورية وغيرها. تفقه على البرهان المراغي، فقرأ عليه التحصيل في الأصول وحفظه، وسمع من جماعة، وعين للقضاء لكن في خلقه زعارة وعنده قوة نفس، وقلة إنصاف، وله أخبار في نفوره وزعارته.
قلت: هكذا نقلوا عنه، وأخبرني بعض الفقهاء المصريين أنه كان يقرر المسألة حتى لا يخلي لأحد معه كلاماً، فإن جاء أحد يتكلم. فال: إيش تريد تفسر، ومن زعارته ما حكى لي بعض الفقهاء الفضلاء المصريين بعد أن جرى لي معه قضية، وهي أنه جاءني يطلب مني إعارة نسخة كتاب الحاوي، وكانت عندي عارية للقاضي نجم الدين الطبري، وذكر أنه أذن له في أخذها مني، فامتنعت من دفعها إليه، فخرج من عندي مغتاظاً، فلقي بعض الفقهاء المكيين، فشكا عليه ذلك، وقال: جئته، فلم يقم لي وامتنع من دفع الكتاب إلي فهون عليه ذلك، وكنت قد قلت له: لو جاء صاحبه ما أعطيته إياه، وقال له: إنه يدل على القاضي يعني له عند القاضي منزلة ومودة، فلما كان بعد ذلك بأيام جاءني وأنا في المسجد الحرام، وعندي جماعة يشرحون على الكتاب المذكور، فقال لي: أحب منك أن تعيرني الكتاب أنت، فأنا أعتقد أنك ما تحتاج إليه، فقلت له عند ذلك بعدما أنعمت له به: ما أنت إلا صبرت على جفائي بجلافة خلقي، فتبسم عند ذلك، وقال ما معناه المدح لي، وبقي ما ذكرت من الخلق المذكور، ثم بعد ذلك شرع يحكي حكاية جرت له مع الشيخ زين الدين المذكور، وقال: جئت مع والحي إليه، فلما قربنا من الباب قال لي والدي: لا تدخل معي بل قف قليلاً، ثم ادخل قال: فلما دخل والدي، فسلم سمعته يقول له البعيد: حمار قال: ثم وقفت قليلاً، ودخلت فقال لي: إيش أنت، فقلت: يا سيدي جحش ولد ذلك الحمار، فضحك هو، ومن عنده قلت: وبلغني أنه كان يستحضر.
[سنة تسع وثلاثين وسبع مائة]
هلك في شهر رجب منها ستون نفساً بالزلزلة في طرابلس الشام.
وفي الشهر المذكور قدم الإمام العلامة تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي متولياً قضاء القضاة في البلاد الشامية، وفرح العالم به لدينه وعفته وعلومه الباهرة، وأوصافه الجميلة.
وفيها توفي الإمام العلامة بدمشق، قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن