القزويني الشافعي عن ثلاث وسبعين سنة، ذو الفنون، جامع المعقول والمنقول ابن قاضي القضاة سعد الدين ابن قاضي القضاة إمام الدين. أخذ المعقول عن الشيخ شمس الدين الألجي وغيره، وسمع من الفاروثي وطائفة، ثم ولي خطابة البلد مدة، ثم طلبه السلطان الملك الناصر، وشافهه بقضاء دمشق، ووصله بذهب كثير، فحكم مع الخطابة، ثم طلب سنة سبع وعشرين، فولاه قضاء الممالك، وعظم شأنه، وبلغ من الرتبة والعز ما لم يصل إليه غيره، وكان فصيحاً حلو العبارة يعرف العربي والعجمي والتركي، مليح الصورة، موطأ الأكناف، سمحاً جواداً حليماً. جم الفضائل، كثير التحمل. ثم نقل في سنة ثمان وثلاثين إلى قضاء الشام، فتعلل وحصل له طرف من الفالج، ثم حضره الأجل، وله من التصانيف المفيدة الكتابان المشهوران في علم المعاني والبيان.
وفيها توفي الإمام العلامة، الصالح الخاشع، جامع المحاسن العديدة، والسيرة الحميمة الورع المتواضع الخاضع أبو البشر محمد بن محمد الأنصاري الدمشقي، المعروف بابن الصائغ، ولد سنة ست وسبعين وست مائة، وسمع كثيراً من أبيه، وابن شيبان، والفخر علي وعدة وحدث بصحيح البخاري، وحفظ التنبيه، ولازم حلقة الشيخ برهان الدين، وولوه قضاء القضاة فاستعفى، وصمم على الامتناع، فاحترمه الناس وأحبوه لتواضعه ودينه وتعبده. حج غير مرة، وأعطي خطابة بيت المقدس مدة مديدة، ثم تركها.
وكان مقتصداً في لباسه وأموره، كبير القدر حصل في صغره، ودرس وهو أمرد، وزار بيت المقدس عند قرب أجله فتعلل، ثم انتقل إلى دمشق، وفيها انتقل إلى الله تعالى، وكان حسن الاعتقاد، بمن سمع به من أهل الخير، كثير الوداد، ولقد بلغني أنه لما وقف على بعض كتبي، وأظنه كتاب الإرشاد، وضعه على عينه حسن ظن منه. نفعه الله ونفع به، وكذا عادة أهل الخير في حسن الظن ومن ذلك أني لما حكيت للسيد الجليل الزاهد الواعظ المقرئ الشيخ أبي عبد الله المغربي، المعروف بالقصري حكاية الشيخ المشهور، المقرئ المشكور محمد بن زاكي التميمي مع بعض المبتدعين لما قرأ عليه، واجتمع له التحقيق، وحسن الصوت قال له أصحابه: ما أحسن هذا لو كان شيخك منا، فقال: وما على من ذلك أخذت العسيلة، وتركت الظرف، فلما بلغ ابن زاكي ذلك، قال للطلبة: نحب أن ترجع إلينا