ومولده بالري سنة ثمان وأربعين ومائة، روى عن أبيه وجده، ومبارك بن فضالة، وحج مرات في خلافته، وغزا عدة غزوات حتى قيل فيه:
فمن يطلب لقاءك أو يرده ... فبالحرمين أو أقصى الثغور
وكان شهماً شجاعاً حازماً جواداً ممدوحاً، فيه دين وسنة وتخشع، وقيل: كان يصلي في اليوم مائة ركعة، ويتصدق كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وكان يخضع للكبار ويتأدب معهم، ووعظه الفضيل وابن سماك وبهلول وغيرهم، وله مشاركة قوية في الفقه وبعض العلوم والأدب، وفيه انهماك على الذات ولقيان الجواري الفائقات الجمال وسماع أشعار مغازلاتهن بلسان الحال مما نظمه الشعراء من الأبيات النفائس، وسيأتي ذكر شيء من ذلك في ترجمة أبي نواس، وكذلك سيأتي في ترجمة الأصمعي ذكر أشياء كثيرة جرت له معه ومع غيره، فيها غرائب وعجائب.
[سنة أربع وتسعين ومائة]
فيها مبدأ الفتنة بين الأمين والمأمون، وكان الرشيد أبوهما قد عقد العهد للأمين ثم من بعده للمأمون، وكان المأمون على أمرة خراسان، فشرع الأمين في العمل على خلعه ليقوم ولده وهو ابن خمس سنين، وأخذ يبذل الأموال للقواد ليقوموا معه في ذلك، ونصحه أولو الرأي فلم يرعو حتى آل الأمر إلى قتله. وفيها توفي يحيى بن سعيد بن أبان الأموي الكوفي الحافظ، والشيخ العارف بالله السيد الجليل شقيق البلخي شيخ خراسان، وشيخ حاتم الأصم. وفيها على خلاف ما تقدم توفي إمام أئمة العربية حامل راية النحو الراقي فيه المرتبة العلية: ابو بشر عمر بن عثمان، الملقب بسيبويه الحارثي مولاهم، قيل: كان في علم النحو أعلم المتقدمين والمتأخرين، لم يوضع فيه مثل كتابه، وذكره الجاحظ يوماً فقال: لم يكتب الناس في النحو كتاباً مثله، وجميع كتب الناس عليه عيال. وقال الجاحظ: اردت الخروج إلى محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم، ففكرت في أي شيء أهديه له، فلم أجد شيئاً أشرف من كتاب سيبويه، فلما وصلت إليه قلت له: لم أجد شيئاً أهديه لك مثل هذا الكتاب، وقد اشتريته من ميراث الفراء، فقال: