وله ديوان رسائل جيدة، ولأبي تمام وجماعة من الشعراء في عصره فيه مدائح، فمن ذلك قول إبراهيم بن العباس الصولي:
أخ كنت آوي منه عند ذكاره ... إلى ظل آياء من العز شامخ
سمعت نوب الأيام بيني وبينه ... فاقلعي منه عن ظلوم وصارخ
وكان ابن الزيات المذكور قد اتخذ تنوراً من حديد، وأطرافه مساميره المحددة إلى داخل، يعذب به المصادرين وأرباب الدواوين المظلومين، فكلما تحرك واحد منهم من حرارة العقوبة تدخل المسامير في جسمه، فيجد لذلك أشد الألم ولم يسبقه أحد إلى مثل ذلك وكان إذا قال له أحد منهم: أيها الوزير، ارحمني، يقول: الرحمة خور في الطبيعة، فلما اعتقله المتوكل أمر بإدخاله في التنور، وقيده بخمسة عشر رطلاً من الحديد، فقال، يا أمير المؤمنين ارحمني، فقال: الرحمة خور في الطبيعة كما كان هو يقول للناس فطلب دواة وبطاقة فأحضر إليه فكتب:
هي السبيل فمن يوم إلى يوم ... كأنه ما تريك العين في النوم
لا تجزعن، رويداً إنها دول ... دينا تنقل من قوم إلى قوم
وسيرها إلى المتوكل واشتغل عنها، ولم يقف عليها إلا في الغد، فلما قرأها أمر بإخراجه، فجاؤوا إليه فوجدوه ميتاً، وكانت مدة إقامته في ذلك التنور أربعين يوماً. ولما جعل في التنور قال له خادمه: يا سدي، قد صرت إلى ما صرت إليه، وليس لك حامد فقال: وما نفع البرامكة صنيعهم؟ فقال له: ذكراهم هذه الساعة. قال: نعم. قلت: فهذا ما لخصته مختصراً من ترجمة ابن خلكان له، كما هو عادتي في تراجمة لغيره.
[أربع وثلاثين ومائتين]
فيها توفي الحافظ أبو خيثمة زهير بن حرب، والحافظ: أبو الربيع سليمان بن داود الزهراني، والحافظ أبو الحسن علي بن بحر القطان ويحيى بن يحيى الليثي الإمام المالكي المعتمد عليه في رواية الموطأ من الإمام مالك، وكان مالك يسميه عاقل الأندلس.
وسبب ذلك ما روي أنه كان في مجلس مالك مع جماعة من أصحابه، فقال قائل: جاء الفيل، فخرج أصحاب مالك كلهم لينظروا إليه، ولم يخرج يحيى، فقال له مالك: لم لا تخرج فتراه، لإنه لا يكون بالأندلس. فقال: إنما جنت من بلدي لأنظر إليك، وأعلم من هديك وعلمك. فأعجب به مالك، فسماه عاقل الأندلس. ثم عاد إلى الأندلس وانتهت الرئاسة إليه فيها، وبه انتشر مذهب مالك.