الأخشيذ إلى هذا التاريخ. وكانت بلاد الشام في مملكته أيضاً مع مصر، وكان يدعى له على المنابر بمكة والحجاز جميعه، والديار المصرية وبلاد الشام، من دمشق وحلب وأنطاكية وطرسوس ومصيصة وغير ذلك، وعاش نيفاً وستين سنة.
[سبع وخمسين وثلاث مائة]
لم يحج الركب فيها لفساد الوقت وموت للسلاطين في الشهور الماضية.
وفيها توفي الحافظ صاحب التصانيف أبو سعيد النخعي البسري.
وفيها توفي المتقي لله أحمد بن الموفق العباسي المخلوع المسمول العينين، توفي في السجن وكانت خلافته أربع سنين، وكان فيه صلاح وكثرة صلاة وصيام، ولم يكن يشرب، وفي خلافته انهدمت القبة الخضراء المنصورية التي كانت فخر بني العباس.
وفيها توفي الحافظ المحدث عمر بن جعفر البصري رحمه الله.
وفيها توفي أبو فراس الحارث بن أبي العلاء، سعيد بن حمدان، ابن عم سيف الدولة. قال الثعالبي في وصفه: كان فرد دهره، وشمس عصره أدباً وفضلاً، وكرماً ومجداً وبلاغة وبراة، وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر بين الحسن والجودة، والسهولة والجزالة، والعذوبة. والفخامة والحلاوة ومعه ذو الطبع وسمة الظرف وعزة الملك ولم تجتمع هذه الخلال قبله إلا في شعر عبد الله بن المعتز. وأبو فراس يعد أشعر منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام. وكان ابن عباد يقول بدىء الشعر بملك، وختم بملك، يعني امرىء القيس وأبا فراس. وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز، ويتحامى جانبه، ولا يمتري لمماراته، ولا يجتزي لمجازاته، وإنما لم يمدحه ومدح من دونه من آل حمدان، إعظاماً وإجلالاً، لا إغفالاً وإخلالاً، وكان سيف الدولة يعجب جداً بمحاسن أبي فراس، ويميزه بالإكرام على سائر قومه، ويستصحبه في غزواته، ويستخلفه في أعماله. وكانت الروم أسرته في بعض وقائعها، وهو جريح قد أصابه سهم، بقي نصله في فخذه، وأقام في الأسر أربع سنين في قسطنطينية، وأسرته الروم مرة قبلها، وذهبوا إلى قلعة يجري الفرات تحتها ويقال أنه ركب فرسه، وركض برجله، فأهوى به من أعلى الحصن إلى الفرات.
وقيل أنه لما مات سيف الدولة عزم على التغلب على حمص، فاتصل خبره بأبي المعالي بن سيف الدولة وغلام لأبيه، فأنفذ إليه من قاتله، فأخذ وقد ضرب ضربات فمات في الطريق، وقيل: بل مات من حرب بينه وبين موالي أسرته، وقال بعضهم: كان أبو فراس خال أبي المعالي، فقلعت أم أبي المعالي عينها، لما بلغها وفاته، وقيل: بل لطمت وجهها فقلعت عينها. وقيل: بل قتله غلام سيف الدولة، ولم يعلم أبو المعالي، فلما بلغه الخبر