هذا البيت، ففتح بابه عن العلوي والمال بعينه، فبقي يعقوب متحيراً لا يدري ما يقول، فقال له المهدي: لقد حل دمك ولو آثرت إراقته لأرقته، ولكن احبسوه في المطبق، فحبسوه، وأمر بأن يطوى خبره عن كل واحد، فأقام فيه سنتين وشهوراً في أيام المهدي والهادي وخمس سنين في أيام الرشيد، ثم شفع فيه يحيى بن خالد البرمكي، فأمر هارون بإخراجه، فخرج وقد ذهب بصرة، فأحسن إليه الرشيد ورد ماله، وخيرة المقام حيث يريد، فاختارمكة، فأذن له في ذلك، فأقام بها حتى مات، رحمه الله تعالى. وفي رواية عن أبيه قال: اخبرني أبي أن المهدي حبسه في بير، وبنى عليه قبة مكث فيها خمس عشرة سنة، وكان يدلي إليه كل يوم برغيف وكوز ماء، ويؤذن بأوقات الصلوات، قال فلما كان في رأس ثلاث عشرة أتاني آت في منامي فقال:
حنا على يوسف رب فأخرجه ... من قعر جب وبيت حوله غمم
قال فحمدت الله تعالى، وقلت أتاني الفرج، ثم مكثت حولاً لا أدري شيئاً فلما كان في رأس الحول الثاني أتاني ذلك الآتي فأنشدني:
عسى فرج يأتي به الله إنه ... له كل يوم في خليقته أمر
قال ثم مكثت حولاً آخر ثم أتاني ذلك فقال:
عسى الكرب الذي أمسيت فيه ... يكون وراءه فرج قريب
فيأمن خائف ويفك عان ... ويأتي أهله النائي والغريب
قال: فلما أصبحت نوديت، فظننت أن أوذن بالصلاة، فدلي لي حبل وقيل لي: اشدد به وسطك، ففعلت فأخرجوني، فلما قابلت الضوء غشي بصري، فانطلقوا بي، فأدخلت على الرشيد، فقيل لي: سلم على أمير المؤمنين، فقلت السلام على أمير المؤمنين المهدي ورحمة الله تعالى وبركاته، فقال لست به، فقلت السلام على أمير المؤمنين الهادي، فقال: لست به، فقلت: السلام على أمير المؤمنين الرشيد، فقال: يا يعقوب بن داود، والله ما شفع فيك إلي أحد، غير أني حملت الليلة صبيةً لي على عنقي، فذكرت حملك إياي على عنقك، فوثبت لك من المحل الذي كنت فيه، فأخرجتك، وكان يعقوب يحمل الرشيد وهو صغير.
[سنة ثمان وثمانين ومائة]
فيها توفي محدث الري الحافظ أبو عبد الله جرير بن عبد الحميد الضبي، وفيها على