سقي له الترياق فبرىء، وصح ورجع إلى إسماع تلامذته، ثم عاوده الفالج، فبطلت حركته، وكان إذا دخل عليه الداخل ضج وتألم. قال تلميذه ابن القالي: فكنت أقول في نفسي: عاقبه الله تعالى لقوله في مقصورته.
مارست من لو هوت الأفلاك ... من جوانب الحق عليه ما شكا
وما كان يصيح صياح من يغشى، أو يسأل بالمسائل، والداخل بعيد منه، ومع ذلك ثابت الذهن كامل العقل، يرد فيما يسأل عنه رداً صحيحاً، وعاش بعد ذلك عامين وكان كثيراً ما يتمثل:
فواحزني أن لا حياة لذيذة ... ولا عمل يرضى به الله صالح
وتوفي يوم توفي فيه أبو هاشم الجبائي المعتزلي. فقال الناس: مات اليوم علم والكلام " ودريد " تصغير درد، وهو الذي ليس فيه سن، كسويد في تصغير أسود. وكان قد قام مقام الخليل بن أحمد، وأورد أشياء، وكان يذهب بالشعر كل مذهب، " ومقصورته " خلق من المتقدمين والمتأخرين، ومن أجود شروحها شرح الفقيه محمد بن أحمد اللخمي السبتي، وعارضه جماعة، ورثاه بعضهم فقال:
فقدت بابن دريد كل فائدة ... لما عدا نالت الأحجار والتراب
وفيها توفي مؤنس الخادم الملقب بالمظفر، وعمره نحو تسعين سنة، وكان معظماً شجاعاً منصوراً، وقد تقدم ذكر قتله، ولم يبلغ أحد من الخدام منزلته إلا كافور الأخشيدي صاحب مصر. وسيأتي ذكره في ترجمته إن شاء الله تعالى قلت يعنون ولايات الدنيا ورفعتها عند أهلها.
[اثنتين وعشرين وثلاث مائة]
فيها قبض المماليك القاهر، هجموا عليه وهو سكران نائم، فقام مرعوباً، وهرب فتبعوه إلى السطح، وبيده سيف، ففوق واحد منهما سهماً وقال: انزل وإلا قتلتك، فقبضوا عليه بعد أن قال: انزل فنحن عبيدك. وأخرجوا محمد بن المقتدر، ولقبوه الراضي بالله، وكحل القاهر، ووزر ابن مقلة قال الصولي: كان القاهر أهوج سفاكاً للدماء، السيرة، مدمن الخمر. كان له حربة يحملها، فلا يضعها حتى يقتل إنساناً، ولولا جودة