والشيء بالشيء يذكره. وفي الكتاب المذكور نادرة لطيفة ظريفة، وفي ذكرها إتحاف وإظراف لسامعها، وهي أن اللبادي الشاعر خرج من بعض مدن أذربيجان يريد أخرى وتحته مهر له راتع، وكانت السنة مجدبة، فضمه الطريق وغلاماً حدثاً على حمار له، قال فحادثته فرأيته أديباً راوية للشعر، خفيف الروح، حاضر الجواب، جيد الحجة. فسرنا بقية يومنا، فأمسينا إلى خان على ظهر الطريق، وطلبت من صاحبه شيئاً تأكله، فامتنع أن يكون عنده شيء، فرفقت به إلى أن جاءني برغيفين، فأخذت واحداً، ودفعت إلى الغلام الآخر. وكان غمي على المهر أن يبيت بغير علف أعظم من غمي على نفسي، فسألت صاحب الخان عن الشعير فقال: ما أقدر منه على حبة واحدة، فقلت: فاطلب، وجعلت له جعلاً على ذلك، فمضى وجاءني بعد زمن طويل وقال: وجدت مكوكين عند رجل، وحلف بالطلاق أنه لا ينقصهما عن مائة درهم، فقلت: ما بعد يمين الطلاق كلام، فدفعت إلى خمسين درهماً، فجاءني بمكوك، فعلفته على دابتي، وجعلت أحادث الفتى، وحماره واقف بغير علف، فأطرق ملياً ثم قال: اسمع أيدك الله أبياتاً حضرت الساعة، فقلت: هاتها فأنشد:
يا سيدي، شعري نفاية شعركا ... فلذاك نظمي لا يقوم بنثركا
وقد انبسطت إليك في إنشاد ما ... هو في الحقيقة قطرة من بحركا
آنستني وبررتني وقريتني ... وجعلت أمري من مقدم أمركا
وأريد أذكر حاجة إن تقضها ... لك عند مدحك ما حييت وشكركا
أنا في ضيافتك العشية ها هنا ... فاجعل حماري في ضيافة مهركا
فضحكت واعتذرت إليه من إغفال أمر حماره، وابتعت المكوك الآخر بخمسين درهماً، ودفعته إليه.
[ثمان عشرة وثلاث مائة]
فيها توفي الحافظ الحجة محمد بن يحيى بن صاعد البغدادي مولى بني هاشم.
قال أبو علي النيسابوري: لم يكن بالعراق في أقران ابن صاعد أحد أجل في الفهم والحفظ من ابن صاعد، وهو فوق أبي بكر بن داود فهماً.
وفيها توفي الحافظ عبد الله بن محمد بن مسلم الأسفرايني المصنف.
وفيها توفي الحافظ أبو عروبة، الحسن بن أبي معشر محمد بن مودود السلمي