الخطيب، المعروف بابن الحميري سمع بدمشق من الحافظ ابن عساكر، وببغداد من شهدة وجماعة، وقرأ القراءات على أبي الحسن البطايحي، وقرأ كتاب المهذب على القاضي أبي سعد بن أبي عصرون، والقاضي أبو سعد علي القاضي أبي علي الفارقي عن مؤلفه الشيخ الإمام أبي إسحاق، وسمع بالاسكندرية من السلفي، وتفرد من زمانه، ورحل إليه الطلبة، ودرس وأفتى، وانتهت إليه مشيخة العلم بالديار المصرية والأمير الصاحب جمال الدين ابن مطروح أبو الحسن يحيى بن عيسى المقرىء اتصل بخدمة السلطان الملك الصالح ابن الملك الكامل ابن الملك العادل ابن أيوب، فلما اتسع ملكه ولاه نائبًا عنه، ولم يزل يقرب منه ويحظى عنده إلى أن ملك دمشق، فرتب لها نوابًا، وصار ابن مطروح في صورة وزيرها، ثم سيره مع عسكر وجهه إلى حمص لاستنقادها من ثواب الملك الناصر الملك العزيز، ثم بلغه أن الفرنج اجتمعوا بجزيرة قبرص على عزم الديار المصرية، فسير إلى العسكر المذكور يعودون لحفظ الديار المصرية، فعادوا وابن مطروح في خدمة الملك الصالح، والملك الصالح متغير عليه الأمور نقمها عليه، فواظب على الخدمة مع الإعراض عنه، ولما مات الملك الصالح وصل ابن مطروح إلى مصر، وأقام بها في داره، ولم يزل ابن مطروح مطروحًا من الولايات إلى أن مات، هذه نبذة مختصرة من أحواله على الإجمال وكانت أوقاته جميلة، وحالاته حميدة، جمع بين الفضل والمروءة والأخلاق الرضية، وله ديوان شعر من جملته قوله في بعض قصائده:
يا صاحبي ولي بجرعاء الحمى ... قلب أسير ماله من فادي
سلبته مني يوم باتوا مقلة ... مكحولة أجفانها بسواد
وله بيتان ضمنهما بيت المتنبي، وأحسن فيهما، وهما:
إذا ما سقاني ريقه، وهو باسم ... تذكرت ما بين العذيب وبارق
ويذكرني من قده ومدامعي ... مجرى عوالينا ومجرى السوابق
وهذا البيت للمتنبي في قصيدة له بديعة، وهو:
تذكرت ما بين العذيب وبارق ... مجرى عوالينا ومجرى السوابق
قال ابن خلكان: وبلغني أنه كتب رقعة يتضمن شفاعته في قضاء شغل بعض أصحابه إلى بعض الرؤساء، وكتب فيهم لولا المشقة فلما وقف عليها ذلك الرئيس قضى شغله وفهم قصده، وهو قول المتنبي: