ثم ذكر سليمان بن مجالد ومعارضته لعمرو، فقال له عمرو: يا ابن مجالد، خزنت نصيحتك عن أمير المؤمنين، ثم أردت أن تحول بينه وبين من أراد أن ينصحه يا أمير المؤمنين، ان هؤلاء اتخذوك سلماً لشهواتهم، فأنت كالآخذ بالقرنين وغيرك يحلب، فاتق الله يا أمير المؤمنين، فإنك ميت وحدك، ومبعوث وحدك ومحاسب وحدك، لن يغني عنك هؤلاء من الله شيئاً، قال: فأطرق أبو جعفر يفكر في كلامه، ثم دعا خادماً على رأسه فسار بشيء، فأتاه الخادم بمنديل فيه دنانير، فقال: يا أبا عثمان بلغني ما الناس فيه من الشدة، فاصرف هذه حيث شئت، قال ما كنت لآخذها، قال لتأخذها والله قال لا آخذها، قال والله لتأخذنها، قال والله لا آخذها، فقال له المهدي وكان حاضراً، يحلف أمير المؤمنين لتأخذه وتحلف أنت لا تأخذه؟! قال عمرو: يا ابن أخي إن أمير المؤمنين أقدر على الكفارة مني، فقال أبو جعفر للمهدي اسكت فإن عمك بناء واثق، قال: فسكت وقعد قليلاً ثم قمنا، فقلت لأبي حنيفة عند خروجنا: انا نسينا ما أردنا من الكلام، فكيف ذهب عنا أن نجيء بما جاء به عمرو ومن كتاب الله؟!. قلت عمرو بن عبيد المشهور بالزهادة والعبادة من المعتزلة، وله في الاعتقاد أقوال شنيعة في الابتداع مضيعة في الأسماع، ذكرت بعضها في الكتاب الموسوم بالمرهم، ولما اعتزل هو وأصحابه حلقة الحسن البصري وباينوا أهل السنة، سموا معتزلة من يومئذ. وقال الهذلي المذكور: قال السفاح: بأي شيء بلغ حسنكم ما بلغ؟ يعني الحسن البصري. قلت: يا أمير المؤمنين، جمع كتاب الله وهو ابن اثنتي عشرة سنة فلم يجارز سورة إلى غيرها حتى يعرف تأويلها وفيما أنزلت، ولم يقلب درهماً في تجارة، ولم يل للسلطان امارة ولم يأمر بشيء فيهم حتى يفعله، ولا يترك شيئاً حتى بدعه، او كما قال، فقال: بهذ بلغ الشيخ ما بلغ. وقال الأصمعي: قال لي الرشيد: قال المنصور للمهدي: يا عبد الله إن الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلاً من ظلم من هو دونه. وذكر في المقتبس أيضاً: انه لما أتم المنصور بناء مدينة السلام بغداد، وأراد النقلة إلى قصره بباب الذهب، وقف على باب القصر يتأمله، فإذا على الحائط مكتوب.