الوسيط، وألف كتاباً سماه تحقيق المحيط، في ستة عشر مجلداً. روى ودرس وأفتى، وكان صلاح الدين يعتقد فيه ويبالغ في احترامه، وعمر له مدرسة الشافعية، وكان يبالغ في ذم العبيديين، ولما هاب صلاح الدين من الإقدام على قطع خطبة العاضد وقف قدام المنبر، وأمر أن يخطب الخطيب لبني العباس، ففعل ولم يقع، إلا الخير. قال الذهبي: ثم عمد إلى قبر ابن الكيزاني - من غلاة السنة وأهل الأثر - فنبشه وقال: لا يكون صديق وزنديق في موضع واحد. يعني: هو والشافعي، فثارت حنابلة مصر عليه، ووقعت الفتنة وصار بينهم حروب. قلت: وقوله من غلاة السنة وأهل الأثر: أي ممن يتغالى في تقرير الظواهر وعدم تأويلها، وإنما قال الذهبي: وغلاة أهل السنة، لأنه كثيراً ما يشير إلى أن الظاهرية هم أهل السنة، مفهماً بذلك أن اعتقاده موافق لأهل الظاهر - والله أعلم بالسرائر - ولما توفي المذكور في السنة المذكورة دفن في قبة تحت رجلي الإمام الشافعي - رضي الله عنه - وبينهما شباك. وكان أصحابه يصفون فضله ودينه، وأنه كان سليم الباطن قليل المعرفة بأحوال الدنيا. وفيها توفي الحكيم شهاب الدين يحيى بن حبش بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة وبالشين المعجمة - السهروردي المقتول بحلب. كان بارعاً في الحكمة وعلوم الفلسفة والأصول الفقهية وعلم الكلام - وشيخه وشيخ فخر الدين الرازي واحد، وهو مجد الدين الجيلي، وكان الحكيم المذكور مفرط الذكاء فصيح العبارة، مناظراً محجاجاً متزهداً، وكان علمه أكثر من عقله، ويقال إنه كان يعرف السيمياء. حكي أنه خرج من دمشق مع جماعة، فلما وصلوا إلى القابون لقوا قطيع غنم مع تركماني، فقال أصحابه: زيد رأساً من هذا الغنم، فأخذوا رأساً بعشرة دراهم كانت معه، فقال صاحب الغنم: خذوا رأساً أصغر منه، فقال: امشوا وأنا أقف معه وأرضيه، فتقدموا، وبقي يتحدث معه ويطيب قلبه، فلما بعدوا قليلاً تبعهم وتركه، وبقي التركماني يمشي خلفه ويصيح به، فلم يلتفت إليه حتى لحقه وجذب يده اليسرى وقال: أين تروح وتخلفني؟ وإذا بيده قد انخلعت من عند كتفه وصارت في يد التركماني، ودمها يجري، فبهت التركماني وتحير، ورمى اليد وخاف وهرب، وأخذ هو تلك بيده اليمنى، ولحق أصحابه وهو يلتفت إليه حتى غاب عنه. ولما وصل إلى أصحابه رأوا في يده اليمنى منديلاً لا غيره. قال ابن خلكان: ويحكى عنه مثل هذا أشياء كثيرة - انتهى والله أعلم بصحتها. قلت: ومثل هذا ما سمعته ممن يحكى عمن صاحب ابن سينا إلى جبل حراء أنه أخذ