للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخذها، فلازم نجم الدين أيوب خدمته وكذلك ولده صلاح الدين، وكانت مخائل السعادة عليه لائحة، والنجابة تقدمه من حالة إلى حالة بتأييد الله تعالى، ونور الدين يرى له ويؤثره، وتعلم منه صلاح الدين طرائق الخير وفعل المعروف والاجتهاد في أمور الجهاد، حتى تجهز للمسير مع عمه أسد الدين إلى الديار المصرية لما جاء شاور مستغيثاً إلى الشام بالملك العادل نور الدين محمود بن زنكي في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وخمس مائة، فوجه نور الدين معه الأمير أسد الدين بن شاذي في جماعة من عسكره، وكان صلاح الدين من جملتهم في خدمة عمه وهو كاره للسفر معهم، وجعل أسد الدين ابن أخيه صلاح الدين مقدم عسكره، شاور حتى دخلوا مصر فاستولوا عليها. وكان الملك المنصور أبو الأشبال الضرغام بن عامر بن سوار الملقب بفارس المسلمين اللخمي المنذري قد استولى على الديار المصرية، فقتل عند مشهد السيدة نفيسة بين القاهرة ومصر، واجتز رأسه وطيف به ثلاثة أيام، ثم دفن عند بركة الفيل، وبنيت عليه قبة. ولما وصل أسد الدين وشاور إلى الديار المصرية واستولوا عليها وقتلوا الضرغام وحصل لشاور مقصده وعاد إلى منصبه واستمرت أموره غدر بأسد الدين، واستنجد بالفرنج عليه، فحصروه في بلبيس، فخلى لهم البلاد طامعاً في العود إليها وملكها، وعاد إلى الشام في سنة تسع وخمسين وخمس مائة، فأقام بها مفكراً في تدبير عوده إلى مصر محدثاً نفسه بالملك لها، مقرراً ذلك معه نور الدين إلى سنة اثنين وستين وخمس مائة. وبلغ شاور حديثه وطمعه في البلاد فخاف عليها فكتب إلى الفرنج وقرر معهم أنهم يجيؤون إلى البلاد، ويمكنهم تمكيناً كلياً ليعينوه على استئصال أعدائه، فبلغ ذلك نور الدين وأسد الدين، فخافا على الديار المصرية أن يملكوها ويتطرقوا إلى ملك غيرها من البلاد، فتجهز أسد الدين وأنفذ نور الدين معه العساكر - وصلاح الدين في خدمة عمه أسد الدين - فوصلوا إليها وصولاً مقارباً لوصول الفرنج إليها، واتفق شاور والمصريون جميعهم والفرنج على أسد الدين، وجرت حروب كثيرة ووقعات شديدة، وانفصل الفرنج عن البلاد، وانفصل أسد الدين أيضاً راجعاً إلى الشام. وسبب رجوع الفرنج أن نور الدين جرر العساكر إلى بلادهم في تلك السنة، فخافوا

على بلادهم وعادوا إليها، وكان سبب عود أسد الدين ضعف عسكره عن مقاومة الفرنج - والمصريين، وما عاينوه من الشدائد وما عاينوه من الأهوال، وما عاد حتى صالح الفرنج على أن ينصرفوا كلهم عن مصر. ثم إن أسد الدين عاد إلى مصر مرة ثانية وقيل ثالثة بسبب أن الفرنج جمعوا فارسهم وراجلهم وخرجوا يريدون الديار المصرية، فسار بنفسه وماله

<<  <  ج: ص:  >  >>