للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

البخاري ومسلم، وسنن أبي داؤد، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة، والدارقطني، وشرح السنة ومسند الإمام الشافعي، والإمام أحمد وأشياء كثيرة، وأخذ علم الحديث عن عز الدين بن خالد، وروى عنه جماعة من أئمة الفقهاء والحفاظ. منهم الإمام علاء الدين بن العطار، والشيخ أبو الحجاج المزرعي والقاضي محي الدين المزرعي، والإمام شمس الدين ابن النقيب، وهو آخر من بقي من أعيان أصحابه وخلق كثير.

قلت: ومنهم الشيخ المبارك الناسك جبرائيل الكردي، وعليه سمعت الأربعين قالوا: وكان الشيخ محيي الدين النواوي متبحراً في العلوم متسعاً في معرفة الحديث والفقه واللغة، وغير ذلك مما قد سارت به الركبان رأساً في الزهد، قدوة في الورع عديم النظير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يواجه الأمراء والملوك بذلك، ويصدع بالحق، ولقد أنكر على الملك الظاهر حتى أغضبه وهم به البطش، فوقاه الله شره، ثم قبل منه وعظمه حتى كان يقول: أنا أفزع منه قالوا: وكان لا يؤبه له بين الناس. قانعاً باليسير، راضياً عن الله، والله عنه راضٍ مقتصد إلى الغاية في ملبسه ومطعمه وأثاثه، ولي مشيخة دار الحديث، وكان لا يتناول من معلومها شيئاً بل يقتنع بالقليل مما يبعث به إليه أبوه.

قلت: ورأيت لابن العطار جزءاً في مناقبه. ذكر فيه أشياء عزيزة من فضائله ومحاسنه وكراماته، واشتغاله بالعلم، واستعماله، وجميل سيرته، وشدة ورعه وزهادته، وغير ذلك مما لم يعرف لأحد من العلماء بعده.

قلت لعمري إنه عديم النظير في زهده وورعه وآدابه، وجميل سيرته، وسائر محاسنه فيمن بعده من العلماء. اللهم إلا أن يكون السيد الجليل ذو المجد الأثيل، والوصف الجميل الفقيه الإمام ذو الآيات العظام زين اليمن، وبركة الزمن من أحمد بن موسى المعروف بابن عجيل الآتي ذكره في سنة تسعين، وقل وعز أن يعرف لهما قبلهما أيضاً نظير في ما اتصفا به من سائر المحاسن مع صغر سنهما، ولا شك أن الإمام محيي الدين النواوي مبارك له في عمره، ولقد بلغني أنه حصلت له نظرة جمالية من نظرات الحق سبحانه بعد موته، فظهرت بركتها على كتبه، فحظيت بقبول العباد والنفع في سائر البلاد، وقد اختلف الناس فيما اختلف فيه هو والإمام الرافعي والفقهاء في بعض الجهات. يرجحون قول الرافعي. وفي بعضها يرجحون قوله، والذي أراه أن كلما اعتضد فيه بحديث يصح الاحتجاج به، فقوله: مقدم لا سيما، وقد صح عن الإمام الشافعي رضي الله عنه أنه قال: إذا صح الحديث، فهو مذهبي، وكذلك إن لم يعتضد بحديث لكن تكافأت الأدلة لكونه موافقاً مؤيداً مباركاً مسدداً. وإن ترجحه الأدلة في أحد الطرفين، فالراجح من الحكم ما رجحه دليله، والله أعلم.

وذكروا أن ترك كله لفواكه دمشق إنما هو ورع لما في بساتينها من الشبه في ضمانها،

<<  <  ج: ص:  >  >>