الركاب الشريف العالي المولوي السلطان المؤيدي المنصوري الغياثي المالكي الظاهري بيبرس قسيم أمير المؤمنين حمد الله تعالى سلطانه، وشيد بدوام دولته قواعد الملك، وثبت أركانه، فدخلنا دمشق سابع ذي القعدة من سنة تسع وخمسين وست مائة، وقلدني الأحكام بالبلاد الشامية يوم الخميس ثامن ذي الحجة من السنة المذكورة، فتراكمت الأشغال، وكثرت الموانع الصارفة عن إتمام هذا الكتاب، فاقتصرت على ما كان قد أثبته من ذلك، وختمت الكتاب، واعتذرت في آخره بهذه الشواغل عن إكماله، وقلت: إن قدر الله تعالى مهلة في الأجل، وتسهيلاً في العمل استأنفت كتاباً يكون جامعاً لجميع ما تدعو الحاجة إليه، ثم حصل الانفصال عن الشام والرجوع إلى الديار المصرية، وكانت مدة المقام بدمشق المحروسة عشر سنين لا تزيد ولا تنقص، فلما وصلت إلى القاهرة صادفت بها كتباً كنت أوثر الوقوف عليها، وما كنت أتفرغ لها، فلما صرت أفرغ من حجام ساباط بعد أن كنت أشغل من ذات النحيين كما يقال في هذين المثلين. طالعت تلك الكتب وأخذت منها حاجتي، ثم تصديت لإتمام هذا الكتاب حتى كمل على هذه الصورة، وأنا على عزم الشروع في الكتاب الذي وعدت به إن قدر الله عز وجل ذلك، والله تعالى يعين عليه، ويسهل الطريق المؤدية إليه. فمن وقف على هذا الكتاب من أهل العلم، ورأى فيه شيئاً من الخلل، فلا يعجل بالمؤاخذة، فإني توخيت فيه الصحة حسب ما ظهر لي مع أنه كما يقال: أبى الله أن يصح إلا كتابه. لكن هذا جهد المقل، وبذل الاستطاعة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولا يكلف الإنسان ما لا تصل قدرته إليه، وفوق كل في علم عليم، فالله يستر عيوبنا بكرمه الضافي، ولا يكدر علينا ما منحنا به من مشرع إعطائه النمير الصافي. إن شاء الله تعالى. انتهى كلامه مع حذفي لألفاظ يسيرة منه كقوله السلطان الماجدي المرابطي الشاعري المنعمي المحسني مما يطنب فيه من مدح أهل الدنيا من الملوك وغيرهم، وألفاظ أخرى لا تدعو الحاجة إلى استيعابها ذكراً، وغفرانك اللهم غفراً، ثم عزل القاضي شمس الدين المذكور بابن الصباغ ثانياً واستمر معزولاً وبيده المدرسة الأمينية والنجيبية إلى أن توفي في شهر رجب في السنة المذكورة، وشيعه خلق كثير.
وقد روى عنه قاضي القضاة نجم الدين ابن صصري وبه تخرج الشيخ أبو الحجاج المزي، ومؤرخ الشام الحافظ علم الدين البرزالي وخلق، ومن شعر القاضي شمس الدين ابن خلكان:
أي ليل على المحب أطاله ... سائق الظعن يوم زم رحاله