ودخل عليه يوماً بعض أصحابه، فقال له: يا سيدي سمعت بيتين من منشد فأعجباني.
فقال له: ما هما فقال:
وقائلة أنفقت عمرك مسرفاً ... على مسرف في تيهه ودلاله
فقلت لها: كفي عن اللوم أنني ... شغلت به عن هجره ووصاله
فقال له الشيخ: ما هذا مقامك ولا مقام شيخك فأطرق التلميذ، ثم رفع رأسه، وقال له يا سيدي وقع لي بيتان غيرهما فقال: قلهما. فقال:
وقائلة طال انتسابك دائماً ... إليه فهل يوم خطرت بباله
فقلت لها: ما كنت أهلاً لهجره ... فما تعتريني شبهة في وصاله
ومما روينا له ما أنشدنا عنه ولده السيد الجليل الشيخ ناصر الدين:
أحن إلى لمع السراب بأرضكم ... فكيف إلى ربع به مجمع السرب
فوا أسفي دون السراب وإنني ... أخاف بأن يقضي على ظمأي نحبي
ومذبان ذاك الركب عني لم أزل ... أعفر من الخد في أثر الترب
قلت: فهذا ما اقتصرت عليه في ترجمته، وهو قدر حقير في وصف جلالته مخل، فذكر محاسنه يحتاج إلى تصنيف مستقل.
وفيها توفي السيد الجليل الولي المشكور المشهور بالأسرار والكرامات والإكرام الشيخ ياسين المغربي الحجام، كان من أولى أنفاس الصادقة والأحوال والكشوفات الخارقة، متستراً بالحجامة عن ظهور الولاية والكرامة، وكان جراحاً على باب الجابية، وكان السيد الجليل الشيخ الإمام محيي الدين النواوي رحمة الله تعالى يزوره، ويتبرك به ويتلمذ له، ويقبل إشاراته، ويمثل ما أمره به.
ومن جملة إشاراته المباركة أنه أمر الشيخ محيي الدين رحمه الله تعالى أن يرد الكتب المستعارة إلى أهلها، وأن يعود إلى بلاده ويزور أهله، ففعل ذلك، ثم توفي عند أهله رحمه الله تعالى قلت: ومثل هذا السيد الذي كان الشيخ الإمام العالي المقام الممدوح بين الأنام محيي الدين النواوي يتبرك به ويتلمذ له ويتأدب معه ينبغي أن يفخم ويعظم ويبجل ويكرم، وأما قول الذهبي: والحاج ياسين المغربي الحجام الأسود، كان جراحاً، وكان النواوي يزور ويتلمذ له بغير لائق بقدرهما.