من تحت ساكنه قرية من تهامة اليمن، كان يحج بقوافل اليمن بعد شيخه ابن عجيل المذكور أدركته وحججت معه، ولعلي المذكور كرامات يطول ذكرها، وفضائل يجل قدرها.
قيل خرج من تحت يده نيف وثمانون مدرساً، وكان فقه كتاب المهذب على ذهنه، وله ولد اسمه إبراهيم أعني التلميذ المذكور، كان في العلم والصلاح والكرامات بمكان رفيع وفضل وسيع.
ومن كراماته ما بلغني أنه زار مع أبيه مساجد الفتح غربي المدينة الشريفة، فنبحهم كلب هناك، فالتفت إليه إبراهيم المذكور، فتفل في وجهه، فمات الكلب، فغضب عليه أبوه لإظهاره مثل هذه الكرامة العظيمة من غير ضرورة دعت إلى ذلك.
ومن كرامات والده الفقيه علي المذكور الداعية إليها الضرورة أن بعض الناس أودع امرأة وديعة، فماتت الامرأة، ولم يعلم بها أحد أين تركت الوديعة، فجاء صاحب الوديعة، فطلبها، فلم يجد من يعلمه بها، فجاؤوا إلى الفقيه علي المذكور، وذكروا له الحال، فقال: أروني قبرها، فذهبوا به إلى القبر، فوقف عليه ساعة واحدة، ثم سأل هل في بيتها شجرة حناء. قيل: نعم قال: احفروا تحت الشجرة، فالوديعة هناك.
وكان رضي الله عنه يحج ويزور في شبابه على رجليه سنيناً كثيرة، وقدم في بعضها المدينة الشريفة وابن عجيل فيها، فخرج للقائه بأمر النبي عليه السلام له بذلك، فوجده عند المصلى سابع سبعة وقربته علي ظهره في قصة طويلة هذا مختصرها، وكانت له أيام زاهرة، وبركات ظاهرة، وإليه أشرت بقولي في ذكر شجينة قريته:
وكم شجن قد حل بي من شجينة ... بحسن مليحات حوتها فواضل
وممن أخذ عن ابن عجيل أيضاً الفقيه الإمام العالم العلامة أبو الحسن علي بن أحمد، المعروف بابن الصريدح، كان فقيهاً فاضلاً صالحاً مفيداً منتفعاً به. مررت عليه عند زيارتي لقبر ابن عجيل المذكور، وكان قويباً منه، فوجدته يدرس جماعة من الطلبة، فألقيت عليهم ثلاث مسائل، فوقفوا عن جوابها، ثم استمررت في سفري إلى مكة، ثم إلى المدينة، ثم بعد سنين كثيرة قدم حاجاً بعض طلبته، وهو الفقيه الفاضل الصالح العالم العامل أبو بكر، المعروف بدعسين بفتح الدال والسين، وسكون العين بينهما مهملات، وسكون المثناة من تحت قيل: النون، وهو لا يعرفني ولا أعرفه، فقال: قدم علينا شاب، وسألنا عن ثلاث مسائل، فلم نعرف جوابها، وفتشنا الكتب، فوجدنا جواب واحدة منها، وواحدة وجدنا فيها وجهين، وواحدة لم نجد لها جواباً، فضحكت عند ذلك، فعرف حيئذٍ أني كنت ذلك السائل، وابن الصريدح المذكور من بني الصريدح.