للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المظفر صاحب اليمن طلب منه قرابته وأصحابه أن يشفع لهم عنده وطمعوا أن يحصل لهم منه نفع، وكان عادة السلطان المذكور أن يطلب محب الدين في كل وقت، فلما قدم مكة لم يطلبه، ولم يجتمع به سوى عند قدومه فحصل لمحب الدين من ذلك قبض، ولم يزل كذلك إلى أن فرغ من أعمال الحج، ثم لقيه الشيخ أبو العباس المذكور، فسأله عن حاله، فأخبره إنما هو غير منشرح بسبب عدم ما كان يرتجي من النفع على يديه، واشتغال السلطان عنه، فقال له الشيخ أبو العباس عند ذلك: أنا الذي شغلته عنك خشية أن يشغلك عن أعمال الحج، ولكن الآن أطلقه حتى يلتفت إليك، ويطلبك كما كان. فعند ذلك أرسل السلطان يطلبه، وقضى له ما أراد من حوائجه وحوائج من تعلق به من الناس.

وفيها توفي ابن المقدسي خطيب دمشق ومفتيها، وشيخ الشافعية بها الإمام العلامة شرف الدين أبو العباس أحمد بن نعمة الشافعي، سمع من السخاوي وابن الصلاح، وتفقه على ابن عبد السلام، وبرع في الفقه والأصول والعربية، وناب في الحكم مدة، ودرس بالشامية والغزالية، وكتب الخط المنسوب الفائق، وألف كتاباً في الأصول، وكان كيساً متواضعاً متنسكاً، ثاقب الذهن، مفرط الذكاء، طويل النفس في المناظرة. توفي في رمضان - رحمه الله تعالى -.

وفيها توفي صاحب اليمن الملك المظفر ابن الملك المنصور عمر. توفي في رجب، وبقي في السلطنة نيفاً وأربعين سنة، وملك أبوه قبله نيفاً وعشرين سنة، وكان الملك المظفر المذكور له بعض مشاركة في بعض العلوم، وكان كيساً ظريفاً يحب مجالسة العلماء، ويعتقد الصالحين، وجاء إلى شيخ اليمن، وبركة الزمن، والبحر الزاخر الذي يغرق فيه كل ماهر السيد الجليل أبي الغيث بن جميل - قدس الله روحه - ونعله في حلقه، فقال الشيخ: ما تطلب؟ الملك قال: وليتك.

وكان أبوه قد قتل خادم الشيخ أبي الغيث، فلما بلغه قتل خادمه قال: مالي ولمحراسه أنا أنزل عن أمشباب، وأترك أمزرع، فقتل عند ذلك الملك المنصور، واستعار في ذلك استعارة حسنة، وهي أنه جعل الخلق كالزرع، وهو كالحارس له، والمشباب بكسر الميم، وسكون الشين المعجمة، وتكرير الموحدة قبل الألف وبعدها. خشبات تنصب في وسط الزرع، ويجعل عليها عريش يقعد الحارس عليه، فإذا نزل عنه ضاع الزرع يترك الحراسة، فنزل به التلف من سارق، أو آكل بهائم، أو صيد، أو وحش مبذلاً لام التعريف بالميم كما هي لغة بعض اليمانيين، وكما هو مشهور في كتب النحويين بل في كتب المحدثين أعني قولهم: يرمي ورائي بأمسهم وأمسلمة.

وما روي من قوله عليه السلام: " ليس من أمير مصيام في أمسفر، مجيبا لقول السائل

<<  <  ج: ص:  >  >>