للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأسبوعاً بعد العشاء. سمعته يقرأ فيه: " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله " " الإسراء: ا " سورة بني إسرائيل، وأسبوعاً قبل الفجر، وسمعت شيئاً من كلامه خلف المقام، وأحرمت بالعمرة معه في وقت، وأدركته في الحجة الثانية، وهو متخلف في بيت لوجع في رجله، وكان ذا صورة جميلة، ولحية طويلة، وهيبة عظيمة، وكان قد اشتغل بعلوم كثيرة، وحصل منها محصولاً طائلاً، وكان كتابه في الفقه الوجيز، وقيل له: هل تزوجت امرأة قط؟ فقال: ولا كلت طعاما طبخته امرأة.

وقال له شيخ في بلاد العجم: ستلقى القطب في الديار المصرية، فخرج في طلبه، فمر في طريقه بحرامية، فأمسكوه وكتفوه، وظنوه جاسوساً وقال بعضهم: نقتله قال: فبت مكتوفاً، فنظمت أبياتاً ضمنتها قول امرء القيس من ذلك:

وقد أوطيت نعلي كل أرض ... وقد أتعبت نفسي باغتراب

وقد طوفت في الآفاق حتى ... رضيت من الغنيمة بالإياب

قال: فما استتمت الإنشاد حتى انقض علي شيخ كانقضاض البازي على الفريسة، وحل أكتافي، وقال: قم يا عبد الله، فأنا مطلوبك، فذهبت حتى وصلت إلى الديار المصرية، فما عرفت من مطلوبي، ولا أين هو، فلما كان ذات يوم قيل: قدم الشيخ أبو العباس المرسي، فقال الفقراء: اذهبوا بنا نسلم عليه، فلما رأيته تحققت أنه الشيخ الذي حل كتافي، ثم قال: في أثناء كلام له: الحقني يا عبد الله، فما جئت إلا بسببك، ثم خرج من المجلس، والحاضرون لا يدرون من يعني، فتبعته وصحبته إلى أن توفي.

ووقع له عجائب يطول ذكرها، ثم توجه بعد وفاته للحج فمر في طريقه على قبر شيخ شيخه شيخ زمانه أبي الحسن الشاذلي، فكلمه من قبره وقال له: اذهب إلى مكة، وانحبس بها.

قلت: وأخبرني بعض الشيوخ الكبار، وهو ذو الكرامات الشهيرة الخارجة عن الانحصار الذي بإرشاده الضال يهتدي الشيخ محمد المرشدي أن الشيخ نجم الدين لما سافر للحج لم يطعم شيئاً حتى بلغ قبر شيخ شيخه أبي الحسن المذكور الذي هو فيه مقبور، ولما بلغ طرف الحرم الشريف سمع هاتفاً يقول له: قدمت إلى خير بلد، وشر أهل، أو نحو ذلك من الكلام، ثم لم يزل بمكة ذا جد واجتهاد مواصلة بين الأوراد. مكثراً من الطواف والاعتماد. مشاراً إليه بالأنوار والأسرار، ويجتمع به من ورد من الشيوخ الكبار إلى أن توفى، فدفن قريباً من قبر السيد الجليل الذي بجواره بلوغ الأغراض أبي علي الفضيل بن

<<  <  ج: ص:  >  >>