رونقه وكماله، ولكن كان ذلك في الكتاب مسطوراً، وكان أمر الله قدراً مقدوراً، جزى الله المولى عن المملوك. وعن الإسلام والمسلمين خيراً، ودفع به عنهم في الدين ضيراً، وختم للجميع بخير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
وعنها قوله لي في مسجد الخيف في بعض ليالي التشريق: حصلت لي إشارة قصيدتك الفلانية، وقد أمرت ولدي أبا بكر أن يحفظها، وذلك أني رأيت كأني أقرأها في صلاة الصبح يوم الجمعة. قلت: في ذلك إشارة إلى ما اشتملت عليه من تحقيق التوحيد، وصحة العقائد، وغير ذلك مما تضمنته من جمل المقاصد ومدح جمال الوجود سيد ولد آدم صلى الله عليه وآله وسلم وهذه عشر أيضاً من البشارات، المشتملات على الإشارات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتنزل البركات، أعني إشارات شيخنا المذكور لي.
وأما ما بشرني به غيره من المشائخ والإخوان مما وقع لهم في اليقظة، أو في المنام، من جهة النبي عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، ومن جهة الأولياء الكرام، فليس هاهنا موضع لذلك الكلام، فلنثن العنان، ولنعد إلى ما نحن بصدده من البيان، لأوصاف شيخنا الجميلات الحسان، وما من علينا بصحبته الحنان المنان.
وله رضي الله عنه تصنيف في الحقيقة محاه، لغرض قبل أن نقف عليه ونراه ليله خشية إني لا يفهم الناس معناه، وله نظم رائق، ونثر فائق، فمن نظمه رضي الله تعالى عنه قوله:
أسفي من هجر سكان الحمى ... تركوني من هواهم في عمي
كلما قدمت يوماً قدماً ... نحوهم أخرت عنهم قدماً
صرت مما فاتني من وصلهم ... أقرع السن عليهم ندماً
ليتهم إذ هجروا لم يتلفوا ... بالضنا صبا معنى مغرماً
فعسى الدهر يوصل منهم ... يسعف الصب ويشفى السقما
قد جعلت الدمع مني شافعاً ... ورجائي وإنكساري سلما
ومن نثره رحمه الله تعالى قوله: ينبغي للفقير الصادق أن يكون كثير الفضائل، الشمائل، ما في يده لا يرد عنه سائل، ولا يخيب منه آمل، أخلاقه ألطف من نسيم السحر، وأوصافه كالمسك إذا فاح وانتشر، طلق الوجه عند لقاء الأخوان، بسام الثغر عند وجود الحدثان، قلبه من الغش والحسد مكنوس، قد طهر ونقى من آفات النفوس، حرفته في الزهادة، وحانوته فيها العبادة، إذا جن عليه الليل فهو قائم، وإذا أصبح النار فهو كثير التلاوة للقرآن، بدمع منحدر كالجمان، دائم الفكرة متواصل الأحزان.
ومنه أيضاً: يا هذا لو أخذت كبريت الإخلاص وطبخته بماء الصدق، ثم أطفأته