ورددته عن حاجته، وهو مع هذا شاعر لا اّمن لسانه، فلما أصبح سأل عنه، فأخبر بانصرافه. فقال: لا جرم ليعلم أن الرزق يأتيه ثم دعا بمولى له وأعطاه الذي دينار، وقال له: الحق بهذا عروة بن أذينة فأعطه إياها. قال: فلم أدركه إلا وقد دخل في بيته، فقرعت عليه الباب فخرج فأعطيته المال، فقال أبلغ أمير المؤمنين السلام وقل له: كيف رأيت قولي؟ سعيت فاكذبت ورجعت إلى بيتي فأتاني فيه الرزق، وهذه الحكاية وإن كانت دخيلة ليست مما نحن فيه لكن حديث عروة ساقها. ولبعض الشعراء وهو محمد بن ادريس الأندلسي في معنى هذين البيتين وأحسن فيه.
مثل الرزق الذي تطلبه ... مثل الظل الذي يمشي معك
أنت لاتدركه متبعاً ... فإذا وليت عنه تبعك
وتوفيت سكينة بالمدينة الشريفة رحمها الله تعالى. قلت: هكذا ذكر موتها بالمدينة في كل تاريخ، وقفت عليه خلاف ما يقوله العامة من أنها مدفونة خارج مكة في القبة التي في الزاهر في طريق العمرة. وفي السنة المذكورة توفي ذو الرمة أبو الحارث غيلان بن عقبة الشاعر المشهور أحد فحول الشعراء، ويقال إنه كان ينشد شعره في سوق الإبل، فجاء الفرزدق فوقف عليه وسمعه، فقال ذو الرمة: كيف ترى ما تسمع يا أبا فراس؟ فقال: ما أحسن ما تقول: قال: فما لي لا أذكر مع الفحول؟ قال قصرتك عن غايتهم بكاؤك في الدمن ووصفك للأباعر والعطن. وهو أحد عشاق العرب المشهورين بذلك ومعشوقته مية ابنة مقاتل بن طلبة بن قيس بن عاصم المنقري الذي قال فيه الشاعر يرثيه:
وما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدما
والذي مدحه الأحنف بن قيس بالحلم كما تقدم، وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" هذا سيد أهل الوبر " لما قدم عليه في وفد بني تميم، وهو أول من وأد البنات غيرة وانفة، وكان ذو الرمة كثير التشبيب بمية المذكورة في شعره وإياها عني أبو تمام الطائي بقوله في قصيدة له:
ما ربع مية معمورا يطوف به ... غيلان أبهى ربى من ربعها الخرب
وقال ابن قتيبة في طبقات الشعراء: قال أبو ضرار الغنوي، رأيت مية وإذا معها بنون