للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لئن لم يطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جثث وهام

أقول من التعجب ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم نيام

فإن كانوا لحينهم نياماً ... فقل قوموا فقد حان القيام

فهذا مثل ما يحكى من قول بعضهم لما خرج محمد بن عبد الله بن الحسن وأخوه إبراهيم علي أبي جعفر المنصور.

أرى ناراً أنست على يفاع ... لها في كل ناحية شعاع

وقد رقدت والعباس عنها ... وباتت وهي آمنة رتاع

كمارقدت أمية ثم هبت ... تدافع حين لا يغنى الدفاع

وفي سنة اثنتين وثلاثين ومائة وثب أبو مسلم على مقدم خراسان فقتله، وقعدا في الدست، وسلم عليه بالأمرة وخطب ودعا للسفاح، وانقطعت ولاية بني أمية عن خر اسان. ولما مات السفاح وتولى أخوه أبو جعفر المنصور صدرت عن أبي مسلم إساءات وقضايا غيرت قلب المنصور عليه فعزم على قتله وقتله كما تقدم. وقيل إن منصوراً قال لسالم بن قتيبة بن مسلم الباهلي: ما ترى أبي مسلم؟ فقال: " لوكان فيهما الهة إلا الله لفسدتا " - الأنبياء: ٢٢ - فقال: حسبك يا بن قتيبة لقد أودعتها أذناً واعية. وكان أبو مسلم ينظر في كتب الملاحم ويجد خبره فيها، وأنه مميت دولة ومحيي دولة، وأنه يقتل ببلاد الروم، كان المنصور يومئذ برومية المدائن التي بناها كسرى ولم يخطر لأبي مسلم أنها موضع قتله، بل راح وهمه إلى بلاد الروم، وكانت رومية المذكورة قد بناها الإسكندر ذو القرنين لما أقام بالمدائن، وكان قد طاف الأرض شرقاً وغرباً ولم يختر منها منزلاً سوى المدائن، فنزلها وبنى رومية المذكورة على ما ذكروا والله أعلم. فلما عاد أبو مسلم من سفر حجه المتقدم ذكره دخل على المنصور، فرحب به ثم إمره بالانصراف إلى مخيمه، وانتظر المنصور فيه الغرض والغوائل، ثم إن أبا مسلم ركب إليه مراراً فأظهر له التحني، ثم جاءه يوماً فقيل له أنه يتوضأ للصلاة، فقعد تحت الرواق، ورتب له المنصور جماعة يقفون وراء السرير فإذا عاتبه وضرب يداً على يد ظهروا وضربوا عنقه، ثم جلس المنصور وأذن له فدخل وسلم فرد، وأمره بالجلوس وحادثه ثم عاتبه، وقال: فعلت وفعلت فقال أبو مسلم: ما يقال هذا بعد بيعتي واجتهادي، وما كان مني، فقال له: يا ابن الخبيثة إنما فعلت ذلك تحرياً وحفظاً ولو كان مكانك أمة سوداء لعملت عملك. ألست

<<  <  ج: ص:  >  >>