للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجل أين أنا من معن، فقال: دع هذا فو الله اني لأعرف منك بك، قال: فلمارأيت منه الجد قلت له: هذا عقد جواهرقد حملته معي بأضعاف ما جعله المنصور لمن يأتيه بي فخذه ولا تكن سبباً في سفك دمي، قال: هاته فأخرجته إليه، فنظر إليه ساعة وقال: صدقت في قيمته، ولست قابله حتى أسألك عن شيء فإن صدقتني أطلقتك، فقلت قل قال: إن الناس قد وصفوك بالجود فأخبرني هل وهبت مالك كله قط؟ قلت: لا قال: فنصفه؟ قلت لا. قال: فثلثه؟ قلت: لا حتى بلغ العشر فاستحييت وقلت أظن أني قد فعلت هذا، فقال ما ذاك بعظيم أنا والله رجل ورزقي من المنصور كل شهر عشرون درهماً، وهذا الجوهر قيمته ألوف دنانير، وقد وهبته لك، ووهبتك لنفسك ولجودك المأثوربين الناس، ولتعلم أن في الدنيا أجود منك فلا تعجبك نفسك، ولتحتقر بعد ذلك كل شيء تفعله ولا تتوقف عن مكرمة، ثم رمى العقد في حجري وترك خطام البعير وولى منصرفاً، فقلت له: يا هذا قد والله نصحتني، ولسفك دمي أهون علي مما فعلت، فخذ ما دفعته لك فأني عنه غني، فضحك وقال أردت أن تكذبني في مقالتي هذه فو الله لا آخذ به ولا آخذ بمعروف ثمناً أبداً ومضى لسبيله. قال: فوالله لقد طلبت بعد أن أمنت، وبذلت لمن يجيء به ما شاء، فما عرفت له خبراً وكأن الأرض ابتلعته، وإنما كان معن خائفاً من المنصور لأنه كان في أيام بني أمية منتقلاً في ولايتهم موالياً لابن هبيرة، فلما انتقلت الدولة إلى بني العباس قاتل معن مع ابن هبيرة المنصور، فلما قتل ابن هبيرة خاف معن من المنصور فاستتر عنه، قال الراوي ولم يزل معن مستتراً حتى كان يوم الهاشمية، وهو يوم مشهور ثار فيه جماعة من أهل خراسان على المنصور، ووثبوا عليه وجرت مقتلة بينهم وبين أصحاب المنصور بالهاشمية التي بناها السفاح بالقرب من الكوفة، وقد تقدم ذلك في سنة احدى وأربعين وكان معن متوارياً بالقرب منهم، فخرج متنكراً معتماً ملثماً، وتقدم إلى القوم وقاتل قتالأ بان فيه عن نجدة وشهامة، وفرقهم، فلما أفرج عن المنصور قال له من أنت ويحك فكشف لثامه وقال: أنا طلبتك يا أمير المؤمنين معن بن زائدة، فأمنه المنصور وأكرمه وحباه وكساه وزينه، أو قال: ورتبه وصار من خواصه. ثم دخل بعد ذلك عليه في بعض الأيام، فلما نظر إليه قال: هيه يا معن تعطي مروان ابن أبي حفصة مائة ألف درهم على قوله:

معن بن زائدة الذي زيدت به ... شرفاً على شرف بنو شيبان

فقلت: كلا يا أمير المؤمنين إنما أعطيته على قوله في هذه القصيدة:

مازلت يوم الهاشمية معلناً ... بالسيف دون خليفة الرحمن

<<  <  ج: ص:  >  >>