للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليه نوره، فقال له: كأني قد رأيتك قبل هذا اليوم، فغالطه فاستدعى ذلك الحكيم بالدواء الذي كحله به أولاً، فلما وضع طرفي المرود فيه ورفعه إلى عينيه خطف غلامه المرود من يده ووضعه في فم سيده فطعمه وشمه، فعرف فيه تسعاً وتسعين نوعاً من الأدوية، وغرب عنه نوع منها تمام المائة لم يعرف، فعرف ذلك الحكيم، فسأله فأخبر بذلك الذي لم يدركه، فرجع إلى بلاده وجمع تلك الأدوية من العقاقير، واكتحل فعاد إليه بصره، فسبحان اللطيف الخبير، الذي هو على كل شيء قدير، مسبب الأسباب، وميسر الأمور الصعاب. رجعنا إلى ذكر الخليل، والخليل أول من جمع جميع الحروف في بيت واحد حيث قال:

صف خلق جود كمثل الشمس إذ بزغت

يخطي الضجيع بها بخلاء معطار

وقال النضر بن شميل جاء رجل من أصحاب يونس، فسأله عن مسألة، فأطرق الخليل يفكر، وأطال إلى أن انصرف الرجل، فعجبنا منه وعاتبناه، فقال لنا: ما كنتم أنتم قائلين فيها؟ قلنا: كذا وكذا، قال: فإن قال لكم كذا؟ قلنا: كنا نقول كذا. قال: فيزيدكم كذا فلم يزل يعترض على قولنا إلى أن انقطعنا وأقبلنا نتفكر، فقال: ان المجيب إذا ابتدأ في الجواب قبح به أن يفكر بعد ذلك، ثم قال: ما أجبت بجواب قط إلا وأنا أعرف ما علي فيه، يعني من الاعتراضات والمؤاخذات. وقال بعض المؤرخين: كان الخليل رجلاً صالحاً عاقلاً حليماً وقوراً، وقال تلميذه النضر بن شميل: اقام الخليل في خص من أخصاص البصرة لا يقدر على فلس، وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال، قال ولقد سمعته يوماً يقول: اني لأغلق علي بابي فما يجاوزه همي، وكتب إليه سليمان بن حبيب بن المهلب يستدعي حضوره، وكان في ولايته أرض فارس والأهواز، فكتب إليه الخليل جوابه:

أبلغ سليمان أني عنه في سعة ... وفي غنى غيرأني لست ذا مال

شحاً بنفسي أني لا أرى أحداً ... يموت هزلاً ولا يبقى على حال

والرزق عن قمر لا الضعف ينقصه ... ولا يزيدك فيه حول محتال

والفقر في النفس لا في المال تعرفه ... ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال

وقيل: اجتمع الخليل وابن المقنع ليلة يتحدثان إلى الغداة، فلما تفرقا قيل للخليل: كيف رأيت ابن المقنع؟ فقال: رأيت رجلاً علمه أكثر من عقله، وقيل لابن المقنع: كيف رأيت الخليل؟ فقال: رأيت رجلاً عقله أكثر من علمه. وللخليل عدة تصانيف. وقال الخليل

<<  <  ج: ص:  >  >>