غضب الرشيد على البرامكة وضرب عنق جعفر بن يحيى البرمكي الوزير أحد الأجواد والفصحاء، قال بعض المؤرخين: كان من علو القدر ونفاذ الأمر وبعد الهمة وعظم المحل وجلالة المنزلة عند هارون الرشيد بمنزلة الفرد بها، ولم يشاركه فيها أحد، وكان سمح الأخلاق طلق الوجه ظاهر البشر، وأما جوده وسخاؤه وبذله وعطاؤه فكان أشهر من أن يذكر، وكان من ذوي الفصاحة والمشهورين باللسن والبلاغة، ويقال إنه وقع ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع، ولم يخرج في شيء منها عن موجب الفقه، وكان أبوه قد ضمه إلى القاضي أبي يوسف حتى علمه وفقهه. ومما يحكى عنه أنه وقع إلى بعض العمال وقد شكا منه. فقال: كثر شاكوك فأما اعتذرت واما عتزلت. ومما ينسب إليه من الفطنة أنه بلغه أن الرشيد مغموم من أجل أن يهودياً زعم أن الرشيد يموت تلك السنة، فركب جعفر إلى الرشيد فرآه شديد الغم، فقال لليهودي: أنت تزعم أن أمير المؤمنين يموت إلى كذا أو كذا يوماً؟ قال: نعم. قال: وأنت كم عمرك؟ قال كذا وكذا. ذكر مدى طويلاً، فقال للرشيد اقتله حتى تعلم أنه كذب في أمدك كما كذب في أمده، فقتله فذهب ما كان بالرشيد من الغم، وشكره على ذلك، وأمر بصلب اليهودي، فقال أشجع السلمي في ذلك.
سل الراكب الموفي على الجزع هل رأى ... براكبه نجماً بدا غير أعورا
ولو كان نجم مخبراً عن منية ... لأخبره عن رأسه المتحيرا
يعرفنا موت الإمام كأنه ... يعرفه أبناء كسرى وقيصرا