للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم أخبره بشيء مما جرى لي معه كي لا أكدر عليه إحسانه، فمكثنا قليلاً، وعاد أبي إلى الولاية وحصلت له أموال كثيرة فدفع لي ذلك المبلغ وقال تحمله إليه، فجئت به ودخلت عليه فوجدته على الهيئة الأولى فأسلمت عليه فلم يرد، وسلمت

عليه عن أبي وشكرت إحسانه وعرفته بوصول المال، فقال لي: ويحك أقسطاراً كنت لأبيك؟ يعني صيرفياً له اخرج عني لا بارك الله فيك. فخرجت ورددت المال إلى أبي وعجبنا من حاله فقال لي يا بني والله ما تسمح نفسي لك بذلك، ولكن خذ ألف ألف درهم واترك لأبيك ألفي ألف درهم قال: فتعلمت منه الكرم والتيه، وعمارة المذكور من أولاد عكرمة مولى ابن عباس، قال: وكان كاتب أبي جعفر المنصور ومولاه، وكان بهياً كريماً بليغاً فصيحاً، وكان المنصور وولده المهدي يقدمانه ويحتملان أخلاقه لفضله وبلاغته ووجوب حقه، وولي لهما الأعمال الكبار، وله رسائل مجموعة. ويحكى أن الفضل دخل عليه حاجبه يوماً، فقال: ان بالباب رجلاً زعم أن له سبباً يمن به إليك، فقال: ادخله، فأدخله فإذا هو شاب حسن الوجه رث الهيئة، فسفم، فأومى إليه بالجلوس فجلس، فقال له بعد ساعة: ما حاجتك؟ قال: اعلمتك بها رثاثة ملبسي، قال: نعم فما الذي يمن به؟ قال ولادة بقرب من ولادتك، وجوار يدنو من جوارك، واسم مشتق من اسمك، قال الفضل: اما الجوار فقد يمكن وقد يوافق الاسم الاسم ولكن من أعلمك بالولادة؟ قال: اخبرتني أمي أنها لما ولدتني قيل لها: ولد هذه الليلة ليحيى بن خالد غلام، وسمي الفضل فسمتني أمي فضيلاً إكباراً لاسمك أن يلحقني به، وصغرته لقصور قدري عن قدرك، فتبسم الفضل وقال: كم أتى عليك من السنين؟ قال: خمس وثلاثون سنة، قال: صدقت هذا المقدار الذي أعد، قال: فما فعلت أمك؟ قال: ماتت قال فما منعك من اللحاق بنا متقدماً؟ قال: لم أرض نفسي للقائك لأنها كانت في عامية معها حداثة تقعدني عن لقاء الملوك، وعلق هذا بقلبي منذ أعوام فشغلت نفسي بما يصلح للقائك حتى رضيت نفسي، قال: فما يصلح له؟ قال: الكبير من الأمر والصغير، قال يا غلام: اعطه لكل عام مضى من سنيه ألف درهم، وأعطه عشرة آلاف درهم يحمل بها نفسه إلى وقت استعماله، وأعطه مركوباً سرياً. قلت ومن المستغربات أيضاً ما حكي عن الفضل بن يحيى محمد بن يزيد الدمشقي الشاعر قال: ما شعرت في بعض الليالي إلا وإذا بقارع يقرع الباب قال: فخرجت إليه، وقلت: من؟ قال: اجب الأمير، قلت ومن الأمير؟ قال: الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك، قال: فقلت: لعلك غلطت في الرسالة، قال: الست محمد بن يزيد الدمشقي؟ قلت: بلى، قال: فإليك أرسلت، قال: فأخذت أطماراً كانت لي وخرجت أقفو أثره حتى وصل بي إلى دار فأجلسني على بابها وقال: اجلس يا محمد حتى أخرج إليك. قال: فما لبثت إلا يسيراً حتى خرج وقال: ادخل يا محمد فدخلت وطلعت فإذا أنا بمكان واسع وفوقه مرتبة وجمع كثير فيهم يحيى بن خالد والفضل وجعفر وسائر أهل الدولة. قال: فأخرج مولود من باب عن يمين الفضل، وكانت ليلة سابعة ولا علم لي به، فأقبلوا يقرؤون ومجامر الندى تختلف بينهم، والشماع المعنبرة تضيء بأيدي الخدم، فلما فرغوا من ختمتهم قام الشعراء، كل يهنيه بطلعته ويبشره برؤيته، فنثرت عليهم الدنانير مطيبة بالمسك، فما بقي أحد إلا أخذ في كمه، وأخذت معهم، وخرج الناس والشعراء، وخرجت معهم، فلحقني خادمان، وقالا: ارجع يا محمد، فرجعت فلقيت الفضل وهو جالس مع ابنه أو قال مع أبيه بالمثناة من تحت بعد الموحدة، فقال: يا محمد قد سمعت ما كان من هذه الليلة والله ما أعجبني من أشعارهم لا قليل ولا كثير، وقد أحببت أن تسمعني في المولود شيئاً، قال فقلت: يا سيدي هيبتك تمنعني من قول الشعر وغيره، قال: لا بد لك ولو بيتاً واحداً فقليلك كثير، فأطرقت ساعة، ثم قلت: يا سيدي، حضرني بيتان، قال: هاتهما فأنشأت أقول: هـ عن أبي وشكرت إحسانه وعرفته بوصول المال، فقال لي: ويحك أقسطاراً كنت لأبيك؟ يعني صيرفياً له اخرج عني لا بارك الله فيك. فخرجت ورددت المال إلى أبي وعجبنا من حاله فقال لي يا بني والله ما تسمح نفسي لك بذلك، ولكن خذ ألف ألف درهم واترك لأبيك ألفي ألف درهم قال: فتعلمت منه الكرم والتيه، وعمارة المذكور من أولاد عكرمة مولى ابن عباس، قال: وكان كاتب أبي جعفر المنصور ومولاه، وكان بهياً كريماً بليغاً فصيحاً، وكان المنصور وولده المهدي يقدمانه ويحتملان أخلاقه لفضله وبلاغته ووجوب حقه، وولي لهما الأعمال الكبار، وله رسائل مجموعة. ويحكى أن الفضل دخل عليه حاجبه يوماً، فقال: ان بالباب رجلاً زعم أن له سبباً يمن به إليك، فقال: ادخله، فأدخله فإذا هو شاب حسن الوجه رث الهيئة، فسفم، فأومى إليه بالجلوس فجلس، فقال له بعد ساعة: ما حاجتك؟ قال: اعلمتك بها رثاثة ملبسي، قال: نعم فما الذي يمن به؟ قال ولادة بقرب من ولادتك، وجوار يدنو من جوارك، واسم مشتق من اسمك، قال الفضل: اما الجوار فقد يمكن وقد يوافق الاسم الاسم ولكن من أعلمك بالولادة؟ قال: اخبرتني أمي أنها لما ولدتني قيل لها: ولد هذه الليلة ليحيى بن خالد غلام، وسمي الفضل فسمتني أمي فضيلاً إكباراً لاسمك أن يلحقني به، وصغرته لقصور قدري عن قدرك، فتبسم الفضل وقال: كم أتى عليك من السنين؟ قال: خمس وثلاثون سنة، قال: صدقت هذا المقدار الذي أعد، قال: فما فعلت أمك؟ قال: ماتت قال فما منعك من اللحاق بنا متقدماً؟ قال: لم أرض نفسي للقائك لأنها كانت في عامية معها حداثة تقعدني عن لقاء الملوك، وعلق هذا بقلبي منذ أعوام فشغلت نفسي بما يصلح للقائك حتى رضيت نفسي، قال: فما يصلح له؟ قال: الكبير من الأمر والصغير، قال يا غلام: اعطه لكل عام مضى من سنيه ألف درهم، وأعطه عشرة آلاف درهم يحمل بها نفسه إلى وقت استعماله، وأعطه مركوباً سرياً. قلت ومن المستغربات أيضاً ما حكي عن الفضل بن يحيى محمد بن يزيد الدمشقي الشاعر قال: ما شعرت في بعض الليالي إلا وإذا بقارع يقرع الباب قال: فخرجت إليه، وقلت: من؟ قال: اجب الأمير، قلت ومن الأمير؟ قال: الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك، قال: فقلت: لعلك غلطت في الرسالة، قال: الست محمد بن يزيد الدمشقي؟ قلت: بلى، قال: فإليك أرسلت، قال: فأخذت أطماراً كانت لي وخرجت أقفو أثره حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>