للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال فخز الفضل على وجهه ضاحكاً ثم رفع رأسه وقال: يا أخا العرب، انا والله الفضل فقل ما شئت، قال: عزمت عليك يا أيها الأمير أنت الفضل؟ قال: انا الفضل قال: فأقلني على ما مضى من الكلام مني إليك، قال: اقالك الله، اذكر حاجتك، قال: عشرة آلاف دينار. قال: يا أخا العرب أزريت بنا وبنفسك لك عشرة ومثلها. قال: فحسده بعض الجلساء، وقال له: يا أمير تعطي شاعراً عشرين ألف دينار كان يقنع بالقليل عن الكثير، بالله يا أمير ألا ما ربيت عليه فإن دفع عن نفسه بيت من الشعر وإلا أخذت النصف، وكان في النصف الكفاية، قال: فسمع كلامه وأوتر القوس وركب السهم وقال يا أخا العرب ادفع عن نفسك ببيت من الشعر وإلا أخرجت هذا السهم من عينيك، فأنشأ الأعرابي يقول:

فقوسك قوس المجد والوتر الندي ... وسهمك سهم الجود فاقتل به فقري

فقال: زيدوه عشرين على العشرين. رجعنا إلى ذكر ما نزل بالبرامكة من البلاء، واستحالة تلك السراء إلى الضراء وتلك النعم إلى النقم وبهجة السرور إلى بؤس الشرور، قال أهل التاريخ: ثم إن الرشيد لما قتل جعفراً على ما تقدم في ترجمته، قبض على أبيه بيحيى وأخيه الفضل المذكور، وكانا بالرقة، فسجنهما بها، واستصغى أموال البرامكة، ويقال: ان الرشيد سير مسرور الخادم إلى السجن فجاءه وقال للموكل بهما: اخرج إلي الفضل، فأخرجه إليه، فقال له: ان أمير المؤمنين يقول لك إني قد أمرتك أن تصدقني عن أموالكم، فزعمت أنك قد فعلت وقد صح عندي أنك أبقيت لك مالاً كثيراً، وقد أمرني إن لم تطلعني على المال أن أضربك مائتي سوط، وأرى لك أن لا تؤثر مالك على نفسك، فرفع الفضل رأسه إليه وقال: والله ما كذبت فيما أخبرت به، ولو خيرت بين الخروج من ملك الدنيا وبين أن أضرب سوطاً واحداً لاخترت الخروج، وأمير المؤمنين يعلم ذلك، وأنت تعلم أنا نصون أعراضنا بأموالنا، فكيف صرنا نصون أموالنا بأنفسنا؟ فان كنت قد أمرت بشيء فامض له، فأخرج مسرور سوطاً كان معه في منديل فضربه مائتي سوط، وتولى ضربه بنفسه، فضربه أشد الضرب، وهم لا يحسبون الضرب، وكاد أن يتلفه، وكان هناك رجل بصيراً بالعلاج فطلبوه لمعالجته، فلما رآه قال: يكون قد ضربوه خمسين سوطاً، فقيل له: بل مائتي سوط، فقال: ما هذا إلا أثر خمسين لا غير، ولكن يحتاج أن ينام على ظهره على بارية وعدوس على صدره، ثم أخذ بيده فجذبه على البارية فتعلق بها من لحم ظهره شيء كثير، ثم أقبل يعالجه إلى أن نظر يوماً إلى ظهره فخر المعالج ساجداً، فقيل له: ما بالك؟ قال: قد برىء وقد نبت في ظهره لحم حي، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>