للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أمير المؤمنين، لم تبكي، لا أبكى الله عينك وقد دانت لك الدنيا وبلغت الأماني؟ فقال: كي لا عن ذل ولا حزن، ولكن لا تخلو نفسي عن شجن، فاغتنم طاهر وقال لحسين الخادم، حب المأمون في خلواته: أريد أن تسأل أمير المؤمنين عن موجب بكائه لما رآني، ثم أنفذ طاهر للخادم المذكور مائتي ألف درهم. فلما كان في بعض خلوات المأمون، سأله عن ذلك فقال: مالك ولهذا؟ ويلك، فقال: غمني بكاؤك، فقال: هو أمر إن خرج من رأسك أخذته، فقال: يا سيدي، ومتى أبحت لك سراً؟ فقال: إني ذكرت أخي محمداً وما ناله من الزلة، فخنقتني العبرة، ولن يفوت طاهراً مني ما يكره، فأخبر الخادم طاهراً بذلك، فركب طاهر إلى أحمد بن خالد، فقال له: إن الثناء مني ليس برخيص، وإن المعروف عندي ليس بضائع، فغيبني عن المأمون، فقال: مه، سأفعل، فبكر إلى غداء، وركب ابن خالد إلى المأمون فقال: لم أنم البارحة، فقال: ولم. قال: لأنك وليت خراسان غساناً وهو من أكلة رأس، وأخاف أن يصطلمه مصطلم، قال: فمن ترى. قال: طاهراً، فقال: هو جائع، قال: أنا ضامن له، فدعا به المأمون، وعقد له على خراسان، وأهدى له خادماً كان رباه، مره إن رأى ما يريبه أن يسمه، فلما تمكن طاهر من ولاية خراسان، قطع الخطبة للمأمون يوم الجمعة، فأصبح يوم السبت ميتاً، فقيل: إن الخادم سمه في كامخ، ثم إن المأمون استخلف ولد طاهر طلحة، وقيل: جعله بها نائباً لأخيه عبد الله بن طاهر، والله أعلم.

وفيها توفي الواقدي أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الأسلمي المدني العلامة قاضي بغداد، كان يقول: حفظي أكثر من كتبي، وكانت كتبه مائة وعشرين جملاً في وقت انتقل فيه، لكن أئمة الحديث ضعفوه، وكان إماماً عالماً صاحب تصانيف في المغازي لمجرها، ومنها " كتاب الرعة " ذكر فيه ارتداد العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حاربة الصحابة رضي الله تعالى عنهم بطلحة بن خويلد الأسدي، والأسود العنسي ومسيلمة الكذاب، وما أقص في الكتاب المذكور.

سمع من ابن أبي ذئب، ومعمر بن راشد، ومالك بن أنس، والثوري وغيرهم، وروى

عنه كاتبه محمد بن سعد الزهري وجماعة من الأعيان، وتولى القضاء بشرقي بغداد، وضعفوه في الحديث، وتكلموا فيه، وكان المأمون يكرم جانبه، ويبالغ في رعايته، فكتب إليه مرة يشكو ضائقة لحقته ودنيا ركبته يسبها، وعين مقداره في قضة، فرفع المأمون فيها بخطه: فيك خلتان، سخاء وحياء، فالسخاء أطلق يديك بتبذير ما ملكت، والحياء حملك أن ذكرت لنا بعض دينك، وقد أمرت لك بضيف ما سألت، فإن كنا قصرنا عن بلوغ حاجتك، فبجنايتك على نفسك، وإن كنا بلغنا بغيتك، فزد في بسط يدك، فإن خزائن الله

<<  <  ج: ص:  >  >>