ومما حكاه دعبل قال: كنا يوماً عند فلان ابن فلان الكاتب البليغ، وسماه، ولكن كرهت ذكره لوصفه له بما يقبح ذكره قال: وكان شديد البخل فأطلنا الحديث، واضره الجوع إلى أن استدعى بغذائه فأتي بقصعة فيها ديك فرم لا يقطعه السكين، ولا يؤثر ضرس، فأخذ كسرة خبز فخاض بها مرقته، وقلب جميع ما في القصعة، ففقد الرأس ق مطرقاً ساعة، ثم رفع رأسه، وقال للطباخ: أين الرأس؟ قال: رميت به، قال: ولم؟ قال ظننت أنك لا تأكله، قال: لبئس ما ظننت، ويحك، والله لأمقت من يرمي رجليه، فكيف من يرمي رأسه، والرأس رئيس، وفيه الحواس الأربع، ومنه يصيح، ولولا صوته لما فضل وفيه عرقه الذي يتبرك به، وفيه عيناه اللتان يضرب بهما المثل، فيقال شراب كعين الديك ودماغه عجيب لوجع الكليتين، ولم ير عظم قط أحسن من عظم رأسه، أو ما علمت أنه. من طرف الجناح ومن الساق والعنق؟ فإن كان قد بلغ مني بتلك أنك لا تآكله فانظر رميت به؟ قال: لا أدري أين هو، قال: لكني أدري أين هو، رميت به في بطنك، فالله حسيبك.
ولما مات دعبل وكان صديق البحتري وكان أبو تمام قد مات قبله رثاهما البحتري بأبيات منها:
قد زاد في كلفي وأوقد لوعتي ... مثوى حبيب يوم مات ودعبل
جوى لازال السماء محيلة ... يغشا كما يماء مزن مسبل
حدث على الأهواز يبعد دونه ... مسيري النغى ورمسة بالموصل
وفيها توفي الإمام اللغوي النحوي أبو يوسف يعقوب بن إسحاق المعروف بابن السكيت " بكسر السين المهملة وتشديد الكاف وسكون المثناة من تحت وبعدها مثناة فوق "، صاحب كتاب " إصلاح المنطق " وغيره من التصانيف في علم اللغة والنحو معاني الشعر، وفسر دواوين الشعر، وجمع في ذلك قول البصريين والكوفيين، وأجاد وجاوز فيها تفسير كل من تقدمه على ما ذكر المرزباني فقال: ولم يكن بعد ابن الأعرابي أعلم منه، وكان