وفي رجب قتل المهتدي بالله أمير المؤمنين محمد بن الواثق بالله هارون بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي. وكانت دولته سنة، وعمره نحو ثمان وثلاثين سنة. وكان مليح، الصورة ورعاً تقياً متعبداً عادلاً شجاعاً قوياً في أمر الله تعالى خليقاً للإمارة، لكنه لم يجد ناصراً ولا معيناً على الخير. وقيل: إنه سرد الصوم مدة أمرته، وكان يقنع بعض الليالي بخبز وخل، وزيت، وكان يشبه بعمر بن عبد العزيز، وورد أنه كان له جبة صوف وكساء يتعبد، فيهما لله، وكان قد سد باب الملاهي والغناء، وحسم الأمراء عن الظلم. وكان يجلس بنفسه، لعمل حساب الدواوين، ثم إن الأتراك خرجوا عليه، فلبس السلاح وشهر سيفه وحمل عليهم فأسروه وخلعوه، ثم قتلوه إلى رحمة الله، وأقاموا بعده المعتمد على الله.
وفيها توفي أبو عبد الله الزبير المعروف بابن بكار القرشي الأسدي الزبيري كان من أعيان العلماء، تولى قضاء مكة، وصنف الكتب النافعة منها " كتاب أنساب قريش " جمع فيه كثيراً، وعليه إعتماد الناس في معرفة أنساب القرشيين. وله مصنفات غيره دلت على فضله واطلاعه. روى عن ابن عيينة ومن في طبقته، وروى عنه ابن ماجة القزويني وابن أبي الدنيا وغيرهما، وتوفي بمكة وهو قاض عليها وعمره أربع وثمانون سنة.
وفي ليلة عيد الفطر منها توفي البخاري الحافظ الإمام قدوة الأنام وعالي المقام جامع أصح الكتب المصنفة في السنن والأحكام، إمام المحدثين وشيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزية البخاري مولى الجعفيين صاحب الجامع الصحيح وغيره من التصانيف، ولد سنة أربع وتسعين ومائة، ورحل سنة عشرة ومائتين، فسمع مكي بن إبراهيم وأبا عاصم النبيل وخلائق عدتهم ألف شيخ، وكتب بخراسان والجبال والعراق والحجاز والشام ومصر، وقدم بغداد فاجتمع إليه أهلها واعترفوا بفضله بفضله وشهدوا بتفرده في علم الرواية والدراية.
وحكى أبو عبد الله الحميدي في كتاب " جذوة المقتبس " والخطيب في " تاريخ بغداد " البخاري لما قدم بغداد سمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وأعدوا له مائة حديث، متونها وأسانيدها، وجعلوا متن كل واحد لإسناد آخر، ودفعوها إلى عشرة أنفس إلى كل واحد عشرة أحاديث، وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون ذلك على البخاري، وعين الموعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة من أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خرسان وغيرها. ومن البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب أو قال: ابتدر واحد لعشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري: لا أعرفه، فسأله عن آخر فقال: لا أعرفه، فما زال يلقي عليه واحد بعد واحد حتى فرغ من عشرة، ثم كذلك كل واحد من العشرة جعلوا يسألونه عن الأحاديث المذكورة واحد بعد واحد والبخاري يقول: لا