وفي السنة المذكورة توفي أمير الديار المصرية والشامية: أبو العباس أحمد بن طولون، وكان له أربعة عشر ألف مملوك، وكان كريماً جواداً شجاعاً مهيباً حازماً لبيباً، كان المعتز بالله قد ولاه مصر، ثم استولي على دمشق والشام أجمع وأنطاكية والثغور في مدة استعمال الموفق ابن المتوكل، وكان نائباً عن أخيه المعتمد على الله. وكان ابن طولون المذكور حسن السيرة ناقد البصيرة، يباشر الأمور بنفسه، ويعمر البلاد، ويتفقد أحوال الرعايا، ويصلح الفساد، ويحب أهل العلم ويحسن فيهم الإعتقاد. وكانت له مائدة يحضرها الخاص والعام في كل يوم من الأيام، وكان له في كل شهر ألف دينار للصدقة، فقال له وكيله: تأتيني المرأة وعليها الإزار وفي يدها خاتم الذهب، فتطلب مني فأعطيها، فقال، من مد يده إليه فاعطه، قال القضاعي: وكان طائش السيف، فأحصي من قتله صبراً ومن مات في سجنه، فكان عددهم ثمانية عشر ألفاً، وكان يحفظ القرآن الكريم، وكان كثير التلاوة حسن الصوت، وكان أبوه من مماليك المأمون. ملك أبو العباس المذكور الديار المصرية ست عشرة سنة، وبنى الجامع المنسوب إليه بين القاهرة ومصر في سنة تسع وخمسين ومائتين، على ما حكاه الفرغاني. وذكر القضاعي أنه شرع في عمارته في سنة أربع وستين، وفرغ منه في ستة وستين ومائتين، وأنفق على عمارته مائة ألف وعشرين ألف دينار، على ما حكاه بعضهم. وطولون بسكون الواوين وضم اللام بينهما والطاء المهملة وفي آخره نون وهو اسم تركي.
وفيها توفي أبو محمد الربيع بن سليمان المرادي مولاهم المؤذن المصري، صاحب الإمام الشافعي، روى أكثر كتبه القائل في حقه الشافعي: الربيع راويتي. وقال: ما أخذ مني أحد ما أخذ مني الربيع. وكان يقول له: يا ربيع، لو أمكنني أن أطعمك العلم لأطعمتك. وحكى الخطيب في تاريخه قال الربيع بن سليمان المرادي: كنا جلوساً بين يدي الشافعي، أنا والبويطي والمزني، فنظر إلى البويطي وقال: ترون هذا، إنه لن يموت إلا في الحديدة، ثم نظر إلى المزني فقال: ترون هذا، أما أنه سيأتي عليه زمان لا يفسر شيئاً فيخبطه، ثم نظر إلي وقال: إنه ما في القوم أحد أنفع لي منه، ولوددت أني حسوته العلم.
وفي رواية أخرى أنه قال لإبن عبد الحكم: وأما أنت يا فلان، فسترجع إلى مذهب مالك، والربيع هذا آخر من روى عن الشافعي بمصر، توفي في عشرة المائة، وكان إماماً ثقة صاحب حلقة بمصر. قال ابن خلكان: رأيت بخط الحافظ عبد العظيم المنذري شعراً للربيع