قال: وحدث أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيراً للقرآن العظيم بأسانيدها. وقيل: إنه أملى غريب الحديث في خمسة وأربعين ألف ورقة، وكان علامة وقته في الآداب وأكثر الناس حفظاً لهما. وكان صدوقاً ثقة ديناً خيراً، من أهل السنة. وصنف كتباً كثيرة في علوم القرآن وغريب الحديث والمشكل، وكان يملي في ناحية من المسجد، وأبوه في ناحية أخرى.
وفيها توفي الأستاذ أبو الحسن المزين، العارف بالله الولي الكبير، شيخ الصوفية، صحب الجنيد وسهل بن عبد الله، وجاور بمكة، وله مناقب كثيرة ومحاسن شهيرة، ومما حكي عنه أنه قال: كنت بمكة، فوقع لي إرادة السفر إلى المدينة، فلما بلغت بير ميمون، وجدت شاباً يجود بنفسه، فقلت له: قل لا إله إلا الله، ففتح عينيه، ونظر إلي وقال:
أنا إن مت فالهوى حشو قلبي ... وبداء الهوى يموت الكرام
ثم خرجت روحه، فغسلته وكفنته، وصليت عليه ودفنته، فسكن ما كان في نفسي من خاطر السفر، فرجعت إلى مكة وكان بعد ذلك يوبخ نفسه ويقول: حجام يلقن أولياء الله الشهادة واشوقاه. وقوله: بير ميمون يعني أنها البير المسماة اليوم بالنوارية، والله أعلم بالصواب. وبعض الناس يسميها بير ميمونة، وهي قريبة من قبرها.
وفيها توفي الشيخ الكبير العارف بالله الشهير: أبو محمد المرتعش، عبد الله بن محمد النيسابوري، أحد مشايخ العراق، صحب الجنيد وغيره، ومن كلامه: الإرادة حبس النفس عن مراداتها، والإقبال على أوامر الله تعالى، والرضوان بموارد القضاء، وقيل له: إن فلاناً يمشي على الماء فقال، عندي من مكنه الله تعالى من مخالفة الهوى، هو أعظم من المشي في الهواء، وكان يقال له: إشارات الشبلي، ونكت المرتعش، وحكايات الخزيمي.
وفيها توفي أحمد بن محمد بن عبد ربه القرطبي صاحب " العقد "، الأموي مولاهم. كان رأس العلماء المكثرين، والإطلاع على أخبار الناس. حوى كتابه من كل شيء، وله ديوان شعر جيد، ومن شعره: