قلت: والكر على ما قيل ستة وآلاف رطل بغدادي، فعلى هذا يكون قيمة كل رطل درهمين إلا ثلث درهم وهذا الغلاء وإن كان شديداً فقد وقع بمكة ما هو أشد منه، بلغ من الرطل الدقيق نحو درهمين في سنة ست وسبعمائة. بلغ في الزمن القديم على ما أخبرني من أثق به من شيوخ المجاورين فوق أربعة دراهم، وقع ذلك في زمانه. وبلغ في تهامة اليمن نحو هذا المبلغ، قبيل التاريخ المذكور، وقبل التاريخ المذكور، إنشاء تاريخي هذا بسنة.
وفيها توفي الإخشيذ محمد بن طفج، ملك مصر والشام ودمشق والحجاز وغيرها، التركي الفرغانجي، صاحب سرير الذهب، وأصله من أولاد ملوك فرغانة، ولاه المقتدر دمشق، فسار إليها،. ولم يزل بها إلى أن ولاه القاهر بالله مصر في شهر رمضان سنة إحدى وثلاثمائة، ثم ضم إليه الراضي بالله الجزيرة والحرمين وغير ذلك من البلاد المذكورة، ثم ضم إليه المتقي لله والحجاز وغير ذلك، مع ما تقدم. والإخشيذ لقب لقبه به الراضي، وهو لقب ملوك فرغانة، وتفسيره " ملك الملوك " كما تقدم. وكل من ملك ملك للناحية لقبوه بهذا اللقب، كما لقبوا كل من ملك بلاد فارس " كسرى "، وملك الترك " خاقان "، وملك الروم " هرقل "، وملك الشام " قيصر "، وملك اليمن " تبع "، وملك مصر " فرعون "، وملك الحبشة " النجاشي " وغير ذلك.
وقيصر: كلمة فرنجية تفسيرها بالعربية: شق عنه. وسببه أن أمه ماتت عنه من المخاض، وشق بطنها، وأخرج، فسمي قيصر.
وكان يفتخر على غيره من الملوك بذلك، ودعي لإخشيذ على المنابر بهذا اللقب، واشتهر به، وصار كالعلم عليه. وكان. ملكاً حازماً كثير التيقظ في حروبه، ومصالح دولته، وحسن التدبير، مكراراً للجند، شديد القوى.
وذكر بعضهم أن جيشه كان يحتوي على أربعمائة ألف رجل، وله ثمانية آلاف مملوك، ويحرسه في كل ليلة ألفان منهم،، ويوكل بجانب خيمته الخدم إذا سافر، ثم لم يثق ذلك حتى يمضي إلى خيم الفراشين ينام فيها، ولم يزل على مملكته إلى أن توفي في الساعة الرابعة من يوم الجمعة، لثمان بقين من ذي الحجة في السنة المذكورة بدمشق. وحمل تابوته إلى بيت المقدس ودفن فيه. وكانت ولادته يوم الاثنين منتصف رجب من سنة ثمان وستين ومائتين ببغداد، وهو أستاذ كافور الأخشيذي المشهور، فاتك المجنون، ثم قام كافور المذكور بتربية ابني مخدومه أحسن قيام، وهما: أبو القاسم وأبو الحسن. وستأتي ولاية