الوزير هذا الشيخ ويسمع كلامه، فسأل ذلك الشيخ عن قصته، فأعلمه بضرورته، وما قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد رفعت عينا علي بن عيسى، وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصدقت أيها الشيخ، هذا شيء لم يكن أطلع عليه إلا الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم استدعى بالكيس، فعدله ألفاً، ثم عدد ألفاً آخر وقال: هذا شكر ما ذكرت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأشك في ألف ثالث دفعه إليه بشارة.
وأما القضية الثانية: فما ذكروا أنه ركب علي بن عيسى الوزير يوماً في موكبه، فصار الغرباء يقولون: من هذا؟ من هذا؟. فقالت امرأة: إلى كم تقولون من هذا، من هذا؟ هذا عبد سقط من عين الله، فابتلاه بما ترون. فسمعها علي بن عيسى، فرجع إلى منزله، واستعفى من الوزارة، وذهب إلى مكة فجاور بها.
وفي السنة المذكورة توفي الإخشيذ التركي الفرغاني ملك مصر والشام ودمشق وغيرها.
وفيها توفي القائم بأمر الله، أبو القاسم نذار بن المهدي عبيد الله الداعي الباطني. صاحب المغرب، وقد سار مرتين إلى مصر ليملكها، فما قدر له دخول الإسكندرية في المرتين معاً وتملكها.
وفي الثانية: جاء بعسكر عظيم، وبلغ " الجيزة " فوردت الأخبار بذلك إلى بغداد، فجهز المقتدر مؤنساً الخادم إلى محاربته بالرجال والأموال، فجد في السير، فلما وصل إلى مصر التقيا، وجرت بين العسكرين حروب لا توصف، ووقع في عسكر القائم الوباء والغلاء والأهوال، فمات الناس والخيل، فرجع إلى إفريقية ومعه عسكر مصر. وكان وصوله إلى " المهدية " في رجب سنة سبع وثلاثمائة، وفي أيامه خرج أبو يزيد مخلد بن كندار الخارجي، وجرت له أمور يطول شرحها ومات في المهدية.
وفيها توفي الشيخ الكبير العارف بالله الشهير صاحب المعارف السنية والأحوال القوية: أبو بكر الشبلي دلف بن جحدر، اشتغل في أول أمره بالفقه، وبرع في مذهب مالك، ثم سلك وصحب الجنيد وغيره من مشايخ عصره، وكان نسيج وحده حالاً وطرفاً وعلماً، وقيل: تاب في ابتداء أمره في مجلس خير النساح. ومجاهداته في أول أمره فوق الحد،