وجماعة كثيرة. وصنف " كتاب السنن "، و " المؤتلف والمختلف " وغيرهما، وخرج من بغداد إلى مصر قاصداً أبا الفضل جعفر بن الفرات وزير كافور الأخشيذي، فإنه بلغه أن أبا الفضل عازم على تأليف مسند، فمضى إليه ليساعده عليه، وأقام عنده مدة، وبالغ أبو الفضل في إكرامه، وأنفق عليه نفقة واسعة، وأعطاه شيئاً كثيراً، وحصل له بسببه مال جزيل، ولم يزل عنده حتى فرغ المسند. وكان يجتمع هو والحافظ عبد الغني على تخريج المسند وكتابته، إلى أن تبحر. وقال الحافظ عبد الغني المذكور: أحسن كلاماً على حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة: علي بن المديني في وقته، وموسى بن هارون في وقته، والدارقطني في وقته أو كما قال.
وسأل الدارقطني يوماً أحد أصحابه: هل رأى الشيخ مثل نفسه. فامتنع من جوابه، وقال: قال الله تعالى " فلا تزكوا أنفسكم " سورة النجم، آية ٣٢، فألح عليه فقال: إن كان في فن واحد، فقد رأيت من هو أفضل مني، وإن كان من اجتمع فيه ما اجتمع في فلان، كان متفنناً في علوم كثيرة.
قلت: فهذا ما لخصته من أقوال العلماء في ترجمته، وكل ذلك مدح في حقه، إلا سفره إلى مصر من أجل الوزير المذكور، فإنه وإن كان ظاهره كما قالوا لمساعدة له في تخريج المسند المذكور، فلست أرى مثل هذا الإيقاع بأهل العلم، ولا بأهل الدين. ثم لما كان مثل هذه المساعدة بعض أهل العلم والدين لا يشوبه شيء من أمور الدنيا كان حسناً منه، وفضلاً وحرصاً على نشر العلم، والمساعدة في الخير. وبعيد عن تطاوع النفوس لمثل هذا إلا إذا وفق الله، وذلك نادر أو معدوم، وما على الفاضل المتدين من أرباب الولايات ألفوا أو لم يألفوا نعم، لو أرسل إليه بعضهم وقال: أرو عني كتابي وكان فيه نفع للمسلمين فلا بأس، فقد روينا عن شيخنا رضي الدين أربعين حديثاً، تخريج السلطان للملك، فظفر صاحب اليمن، وتوفي الدارقطني رحمه الله، وقد قارب الثمانين، أو كاد يبلغها، وصلى عليه الشيخ أبو حامد الأسفراييني.
وفي السنة المذكورة " توفي " الحافظ المفسر الواعظ صاحب التصانيف: أبو حفص ابن شاهين عمر بن أحمد البغدادي. قال الحسين بن المهدي بالله: قال لنا ابن شاهين صنف ثلاثمائة وثلاثين مصنفاً، منها " التفسير الكبير " ألف جزء، و " المسند " ألف وثلاثمائة