شرح ألسنة المعلوم في قسم الإيماء: حكي أنه حضر مجلس الشريف المرتضى، وكان الشريف نقص من شعر المتنبي، والمعري يمدحه حتى قال: لو لم يكن في شعره إلا قصيدة التي يقول فيها: لك يا منازل في القلوب منازل لكفى فأمر الشريف بإخراجه من المجلس مسجوناً، ثم قال: أتدرون ما عنى هذا الأعمى في القصيدة المذكورة؟ إنما أومأ فيها إلى قول المتنبي:
واذا أتتك مذمتي من ناقص ... فهي الشهادة لي بأني كامل
انتهى قلت: ومما يدلك على فرط ذكاء أبي العلاء المعري، وفرط ذكاء الشريف، وفهمه ذلك في الحال. ثم رجع إلى المعرة، وشرع في التصنيف، وسار إليه الطلبة من الآفاق، وكاتبه العلماء والوزراء وأهل الأقدار، أو قيل إنه مكث مدة خمس وأربعين سنة لا يأكل اللحم، يرى رأي الحكماء المتقدمين، إذ لا يأكلونه، لكيلا يذبحوا الحيوان، إذ لا يرون بإيلام الحيوانات مطلقاً. قلت: وهو خلاف ما جاءت به الأنبياء والشرائع، ودل على جعله الإجماع ونصوص الآيات القواطع. ونظم الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة. ومن نظمه:
لا تطلبن بغير خط رتبة ... قلم البليغ بغير خط مغزل
سكن السما كان السماء كلاهما ... هذا له رمح وهذا أعزل
ويروى بغير حد. قلت: وقد نظمت ثلاثة أبيات، أوضحت فيها ما أشار إليه بمثال أولى من مثاله، فإنه أشرك بين السماكين في نيل المرتبة، مع كون أحدهما ذا آلة يكتسب بها المراتب وهي الرمح وأنا خصصت بالمرتبة الخالي منهما عن الآلة حيث قلت:
لو كان بالآلات خط يحصل ... والسعد يأتي ولعطايا تجزل
ما كان في عالي المنازل رامح ... أو لم يجزها دون ذلك أعزل
لكنه من دونه قد حازها ... في شرحه البدر المتمم ينزل
وكلا النظمين في قوافيهما التزام ما لا يلزم ولما توفي رثاه تليمذه أبو الحسن بن همام بقوله:
إن كنت لم ترق الدماء زهادة ... فلقد أرقت اليوم من جفني الدما
سيرت ذكرك في البلاد كأنه ... مسك فسامعه يعطر أو فما
قلت يعني أن طيب ثنائه يعطر سامعه أو المتكلم به المثني عليه، واقتصر على الفم لضيق المقام في مساعدة الوزن على عموم المتكلم دون تخصيص فيه، ويحتمل أنه أراد