بعد أن كان قد خطب للقائم بأمر الله أعواماً. وفيها عمل السلطان ملك شاه الرصد، وأنفق عليه أموالاً عظيمة.
وفيها توفي محدث الأندلس أبو عمرو بن الحذاء أحمد بن محمد القرطبي. والقائم بأمر الله أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله. ومدة خلافته أربع وأربعون سنة وأشهر، وكان ورعاً ديناً كثير الصدقة، وله علم وفضل، من خير الخلائق، لا سيما بعد عوده إلى الخلافة، وبويع حفيده المقتدي بأمر الله عبد الله بن محمد القائم. وفيها توفي جمال الإسلام أبو الحسن الدراوردي عبد الرحمن بن محمد بن مظفر البوشنجي، شيخ خراسان علماً وفضلاً وجلالة وسنداً. تفقه على القفال المروزي وأبي الطيب الصعلوكي وأبي حامد الاسفرائيني، وروى الكثير عن أبي محمد بن حمويه. وفيها توفي أبو الحسن الباخرزي بالموحدة والخاء المعجمة بعد الألف وبعده راء ثم زاي الرئيس الأديب علي بن الحسن، مؤلف كتاب دمية القصر. وكان رأساً في الكتابة والإنشاء والشعر، وأوحد عصره في فصله وذهنه، سابقاً إلى حيازة قصبات السبق في نظمه ونثره، وكان في شبابه مشتغلاً بالفقه على مذهب الإمام الشافعي، ملازماً درس أبي محمد الجوني، ثم شرع في فن الكتابة، وارتفعت به الأحوال، وانخفضت، ورأى من الدهر العجائب، وغلب أدبه على فقهه، وعمل الشعر والحديث، وصنف كتاب دمية القصر وعصرة أهل العصر وهو ذيل يتيمة الدهر التي للثعالبي، جمع فيها خلقاً كثيراً، وله ديوان شعر في مجلد كبير. ومن نظمه:
يا فالق الصبح من لا غرته ... وجاعل الليل في أصداغه سكنا
بصورة الوثن استعبدتني وبها ... قيدتني وقديماً هيجت لي شجنا
لا عز إن أحرقت نار الهوى كبدي ... فالنار حق على من يعبد الوثنا
والأمير عز الدولة محمود بن نصر بن صالح الكلابي صاحب حلب، ملكها عشرة أعوام، وكان شيخاً فارساً جواداً ممدوحاً، يداري المصريين والعباسيين، أوسط داره بينهما، ولي بعده ابنه نصر، فقتله بعض الأتراك بعد سنة.