للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمد بن داود السلجوقي التركي. تملك ما وراء النهر وبلاد الهياطلة، وبلاد الروم والجزيرة، والشام والعراق، وخراسان وغير ذلك. قال بعض المؤرخين: ملك من مدينة كاشغر الترك إلى بيت المقدس طولاً، ومن قسطنطينية وبلاد الجرت إلى نهر الهند عرضاً، وكان حسن السيرة محسناً إلى الرعية، وكانوا يلقبونه بالملك العادل، وكان ذا عزم بالعمائر وبالصيد، فحفر كثيراً من الأنهار، وصنع بطريق مكة مصانع، وغرم عليها أموالاً كثيرة خارجة عن الحصر، وأبطل المكوس في جميع البلاد، وكان لهجاً بالصيد حتى قيل: إنه ضبط ما اصطاده بيده، فكان عشرة آلاف، فتصذق بعشرة آلاف دينار، وقال: إني خائف من الله - سبحانه - من إزهاق الأرواح من غير مأكلة، وصار بعد ذلك كلما قتل صيداً تصدق بدينار. وخرج من الكوفة لتوديع الحاج، فجاوز العذي، وشيعهم بالقرب من الواقصة، وصاد في طريقه وحشاً كثيراً، فبنى هناك منارة في حوافر الحمر الوحشية وقرون الظباء التي صادها في ذلك الطريق، وذلك في سنة ثمانين وأربع مائة. قالى ابن خلكان: والمنارة باقية إلى الآن، وتعرف بمنارة القرون. انتهى قوله. قلت وكثير من الناس يسمونها أم القرون، وكانت السبل في أيامه ساكنة، والمخاوف آمنة، تسير القوافل من ما وراء النهر إلى الشام، وليس معها خفير، ويسافر الواحد والاثنان من غير خوف. ولما توجه لحرب مر بمشهد علي، فدخل هو ووزيره نظام الملك، ودعوا، ثم سأل نظام الملك: بأي شيء دعوت؟ فقال: بنصرك على أخيك. فقال: أما أنا، فقلت: اللهم انصرنا، وأصلحنا للمسلمين. ودخل عليه واعظ فوعظه، وحكى له أن بعض الأكاسرة اجتاز منفرداً من عسكره على باب بستان، فتقدم إلى الباب، وطلب ما يشربه، فأخرجت له صبية إناء فيه ماء والسكر والثلج، فشربه، واستطابه، فقال: هذا، كيف يعمل؟ فقالت: إن قصب السكر يزكو عندنا حتى نعصره بأيدينا، فيخرج منه هذا الماء، فقال: ارجعي وأحضري شيئاً آخر. وكانت الصبية غير عارفة به، ففعلت، فقال في نفسه: الصواب أن أعوضهم عن هذا المكان، وأصطفيه لنفسي. فما كان بأسرع من خروجها باكية، وقالت: إن نتة سلطاننا قد تغيرت، فقال: ومن أين علمت ذلك؟ قالت: كنت آخذ من هذا ما أريد من غير تعسف، والآن قد اجتهدت من عصر القصب، فلم يسمح ببعض ما كان يأتي. فعلم صدقها، فرجع عن تلك

<<  <  ج: ص:  >  >>