وعبد الواحد ابن الأستاذ أبي القاسم القشيري، وكان صالحاً عالماً كثير الفضل. روى عن جماعة، وسماعه من الطرازي حضوراً. وفيها توفي القاضي أبو المعالي شيخ الوعاظ بالعراق، مؤلف كتاب مصارع العشاق عزيز بن عبد الملك شيذلة الجيلي. كان فقيهاً شافعياً، فاضلاً واعظاً ماهراً، فصيح اللسان حلو العبارة، كثير المحفوظات صنف في الفقه وأصول الدين والوعظ والمحبة، وجمع كثيراً من أشعار العرب، وتولى القضاء ببغداد، وسمع الحديث الكثير من جماعة كثيرة، كان أشعري المذهب وناصراً له. قال ابن خلكان: ومن كلامه يعني في المحبة: إنما قيل لموسى عليه السلام: لن تراني، لأنه لما قيل له: انظر إلى الجبل، نظر إليه فقيل: يا طالب؛ انظر إلينا لما تنظر إلى ما سوانا. ثم أنشد.
يا مدع بمقالة صدق المودة والإخا ... لوكنت تصدق في المحبة مانظرت إلى سوى
انتهى قلت وكلامه هذا الذي حكاه ابن خلكان لا يليق بالكليم الوجيه ابن عمران. إنما يليق بغيره ممن في محبته نقصان، كما في حكاية الجارية المشهورة التي قالت لمدعي محبتها: ورائي من هو أحسن مني، فلما التفت قالت:
لوكنت صادقاً في هوانا ... لما التفت إلى سوانا
وأما الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فلا يحسن هذا في حقهم، بل لايجوز، فإن منصب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أرفع من أن يناله شين ولا ملام، وأنما يحسن في غيرهم إذا ادعى الحب والغرام. وعجبت من ابن خلكان كيف يحكي مثل هذا في حق موسى عليه السلام، ولا ينكره على قائله. وقال أبو المعالي المذكور: أنشدني والدي عند خروجه من بغداد للحج.
مددت إلى التوديع كفاً ضعيفة ... وأخرى على الرمضاء فوق فؤادي
فلا كان هذا العهد آخر عهدنا ... ولا كان ذا التوديع آخر زادي
توفي رحمه الله يوم الجمعة، ودفن محاذياً للشيخ أبي إسحاق الشيرازي وعزيز: بفتح العين المهملة وزايان بينهما مثناة من تحت ساكنة. وشيذلة بفتح الشين والذال المعجمتين، وبينهما مثناة من تحت ساكنة. قال ابن خلكان: ولا أعرف معنى هذا اللقب مع كثرة كشفي عنه.